التقوى ، ألم تسمعوا لقول الله تعالى ، فيمن غلب عليه العمى ، وجانب سبيل الهدى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) (23) [الجاثية : 23]. فلما اتبعوا أهواءهم أعماهم ، ولما آثروا تقواهم هداهم ، ألم يسمعوا قول الله تبارك وتعالى : ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم (16) والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) (17) [محمد : 16 17].
فليكن حذر الهوى من شأنكم الأكبر ، والهرب بالجد من حظكم الأوفر.
فإنه بلغني أن بعض الصالحين كان يقول : النار تلحق ذا الخطو البطيء ، وحديقة العاجز لا تعرى (1) عن الشوك والحلافي ، (2) فكذلك قلوب أهل التقوى إن غلب عليها الوناء والعجز والغفلة ، غلب عليها الخطأ والفساد وهي عنه ذاهلة.
فلا تتكلوا على ما سلف من أعمالكم ، فتضيعوا فيما تستأنفون من بقية آجالكم ، واجعلوا على فكركم من عقولكم رقيبا ، كيلا تجول (3) بكم فيما جعله الله ذنبا ، وكذلك فاجعلوا على ألسنتكم (4) لكيلا تنطق بما يسخطه ، وعلى أسماعكم وأبصاركم لكي تفرغ لما يحبه ، وزنوا فيما بينكم وبين الله جميع أموركم ، وارفضوا الفضول فيها من فعلكم وقولكم ، واقتصروا على بغيتكم تستريحوا ، وتفرغوا لها تنجوا به وتفلحوا.
[الاخلاص]
واعلموا أن الزراع الحكيم لا يثق في نفسه بسلامة ما بذر من زرعه فيه ، حتى يستودعه الخزائن فتؤويه ، فلا تثقوا بعملكم قبل الورود عليه.
واعلموا أن ما يعرض من الآفات ، ويدخل على أهله من الغفلات ، في طلب
مخ ۳۵۷