اخْتِلَاف أقدار النَّاس وتفاوت أَحْوَالهم سَبَب بقائهم
ثمَّ من عَلَيْهِم بِفضل رأفته منا مستأنفا بِأَن جعلهم فِي عُقُولهمْ وآرائهم متفاضلين كَمَا جعلهم فِي أملاكهم ومنازلهم ورتبهم متفاوتين لما فِي اسْتِوَاء أَحْوَالهم وتقارب أقدارهم من الْفساد الدَّاعِي إِلَى فنائهم لما يلقِي بَينهم من التنافس والتحاسد ويثير من التباغي والتظالم فقد علم ذَوُو الْعُقُول أَن النَّاس لَو كَانُوا جمعيا ملوكا لتفانوا عَن آخِرهم وَلَو كَانُوا كلهم سوقة لهلكوا عيَانًا بأسرهم كَمَا أَنهم لَو اسْتَووا فِي الْغنى لما مهن أحد لأحد وَلَا رفد حميم حميما وَلَو اسْتَووا فِي الْفقر لماتوا ضرا وهلكوا بؤسا فَلَمَّا كَانَ التحاسد من أطباعهم والتباهي من سوسهم وَفِي أصل جوهرهم كَانَ اخْتِلَاف أقدارهم وتفاوت أَحْوَالهم سَبَب بقائهم وَعلة لقناعتهم فذو المَال الغفل من الْعقل العطل من الْأَدَب الْمدْرك حَظه من الدُّنْيَا بِأَهْوَن سعي إِذا تَأمل حَال الْعَاقِل المحروم وأكدار الْحول الْقلب ظن بل أَيقَن أَن المَال الَّذِي وجده مغير من الْعقل الَّذِي عَدمه وَذُو الْأَدَب المعدم إِذا تفقد حَال المثري الْجَاهِل لم يشك فِي أَنه فضل عَلَيْهِ وَقدم دونه وَذُو الصِّنَاعَة الَّتِي تعود عَلَيْهِ بِمَا يمسك رمقه لَا يغبط ذَا السُّلْطَان العريض وَلَا ذَا الْملك المديد وكل ذَلِك من دَلَائِل الْحِكْمَة وشواهد لطف التَّدْبِير وأمارات الرَّحْمَة والرأفة
1 / 82