هذا كتاب السير تأليف الإمام أبي العباس سلالة الكريم بن الكرام احمد بن سعيد بن عبد الواحد الشماخي رحمه الله آمين ...
مخ ۱
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، هذا كتاب السير تأليف الإمام أبي العباس سلالة الكريم ابن الكرام أحمد بن سعيد بن عبد الواحد الشماخي رحمه الله آمين.
الحمد لله الذي كتب في صحائف القلوب ألفة أوليائه الأخيار، ونقش في ألواح الضمائر التوادد بين الأتقياء الأبرار، ومحي من رق الصدور محبة أولي الضلال الفجار؛ لخلافهم ما شرع من الصراط للأنام، المبين بلسان الرسول عليه السلام. الذي نقله الأتقياء والعدول. خصوصا من ارتضاه ربنا لصحبة الرسول: مثل عمار والفاروق والصديق. والتابعين لهم بالإحسان والتصديق، هدى من اتبعه رشد واهتدى، ومن حاد عنه تجنبا ضل وغوى، وحل عليه غضب الله وهوى، ومن أكدها بعد الايمان عقدا وأكملها بعد التوحيد عهدا، المحافظة على الأخوة في الدين، والموالاة في ذات
مخ ۲
الحق اليقين، فوجب علينا الولاية والدعاء للسابق كما فرض علينا مراعاة حق اللاحق، اذ نقلوا لنا الهدى ناصحين، وأدوه الينا محتسبين، لا يسألون عنه أجرا، ولا كانوا متكلفين، لازموا القبض على جمر التكليف، من أتباع الرسول من غير تعنيف صلى الله عليه وعلى اله ما طلع شمس وعاد خريف.
(وبعد) وردت رسالة ممن أهمه أمرنا، وإبتغاء المطالعة على احوالنا، ومعرفة أخبار بلادنا، المصان منها باخواننا، والذي ضرب بجرانه عدونا، ومعرفة ما نحن فيه من التبرج، والاكتنان والظهور والكتمان، والوقوف على مناقب الأخوان، ونسب من سلف به من الزمان؛ من الأئمة أولي البقية والاحسان؛ أم من سنام المجد قحطان أم من أهل السماح والصباح والرماح رأس الشرف عدنان.
وتضمنت الرسالة: إنهم أوجبوا نفس الشريعة الساطعة الغرا، وطلع شمس النحلة النقية البيضا، وإنهم رعوا العفو، وشربوا الصفو، وساسوا بالعدل العباد، وتمكنوا في البلاد، وساموا الخسف أهل الجور والفساد، بالإمام الجواد الواري الزناد الماجد الأجداد الهمام الفاضل الأشم الباذل اللباب الحلاحل أبو عبد الله محمد الأمير العادل، المنتهي في الشرف إلى قحطان سواء كان من حمير أو ازد أو همذان، فانشرحت لسطوع نور هدايتهم صدورنا، وسلوكهم محجة من مضى من أسلافنا، وإظهار منهج مذهب الحق مشرفا بشهادة غرابيل الصدق.
وها أنا اذكر بعض أخبار السالفين
مخ ۳
بعد التيمن بلمع من أخبار الرسول والتبرك بشيء من أخبار الصحابة ومن الله استمد العون والتوفيق والسداد واللطف.
أخبار الرسول
(اعلم) إن الله تعالى من علينا بلطفه؛ بأن انزل علينا كتابا نور به كل حالك، وأضاء به المسالك، وأشرقت به دجا المهالك، وارسل رسولا؛ هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.. وأختلف فيما فوق ذلك، إلى اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام، وعلى سيدنا محمد الصلاة والسلام.
ويتميز - صلى الله عليه وسلم - من سائر بطون قريش بهاشم؛ واصطفاه الله من بني هاشم، كما اصطفا بني هاشم من قريش، وامه: أمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. حملت به ايام التشريق، في شعب أبي طالب، عند الجمرة الوسطى، وولد عليه السلام بمكة، يوم الاثنين لاثنى عشر خلت من رمضان، وقيل من ربيع الاول، وقيل لثمان، وقيل اول اثنين فيه، وقيل لليلتين خلتا منه عام الفيل، وقيل يوم الفيل؛ أي اليوم الذي حبس فيه، وقيل بعده بشهر، وقيل باربعين، وقيل بخمسين يوما، يوم عشرين من نيسان، وقيل لثلاث عشرة بقيت من المحرم، يوم الاحد وضعته امه؛ قيل في شعب بني هاشم، وقيل بمكة بدار تدعا لمحمد بن يوسف، اخي الحجاج بن يوسف.
وارسله الله يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الاول سنة احدى واربعين؛ من عام الفيل، وهو ابن اربعين سنة ويوم،
مخ ۴
ومن بعثه إلى اول المحرم عام الهجرة اثنى عشر عاما.
وخرج من مكة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين وكانت وقعة بدر يوم الاثنين على قول وقبضه الله يوم الاثنين - صلى الله عليه وسلم - .وقيل وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان وهو القول العدل إن شاء الله تعالى.وقيل قدم المدينة يوم الاثنين الثامن من ربيع الاول سنة اربع وخمسين من عام الفيل يوم عشرين من ايلول.
وعليه أن من مبعثه إلى يوم دخوله المدينة ثلاثة عشرة كاملة واقام بالمدينة عشرة اعوام وقيل اقام بمكة عشرا.
وقيل لأمه حين حملت به: ((انك حملت بسيد هذه الأمة)) فاذا وضع إلى الأرض فقولي: ((اعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا)).
ورأت حين حملت به انه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من أرض الشام؛ فلما وضعته ارسلت إلى جده فدخل به الكعبة فدعا الله وتشكر له ما أعطاه ثم رده إلى أمه ثم دفعه جده إلى حليمة بنت عبد الله بن الحارث ترضعه، فردته في السنة الخامسة، ومات أبوه؛ وامه حامل به. وقيل ابن ثمانية وعشرين شهرا، وقيل سبعة اشهر، وقيل ابن شهرين، وقبره بالمدينة.
فكفله جده عبد المطلب، وماتت امه وهو ابن ستة أعوام، وقيل سبعة، وقيل ثمانية، وتوفي جده سنة تسع من عام الفيل، وقيل مات جده وهو ابن ثمان سنين، وقيل ثلاث سنين، فأوصى به إلى أبي طالب شقيق ابيه، فكان في حجره إلى خمس عشرة فاستقل بنفسه.
وخرج مع عمه سنة
مخ ۵
ثلاث عشرة من الفيل، فرآه بحير الراهب فقال: ((احتفظوا به فانه نبي)). وشهد يوم الفجار عام احد وعشرين من الفيل، وخرج إلى الشام عام خمس وعشرين في تجارة لخديجة بنت خويلد، فرآه نسطور الراهب وقد أظلته غمامة فقال: ((هذا نبي)).
وتزوجها بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يوما، في عقب صفر سنة ست وعشرين، وقيل تزوجها وهو ابن احد وعشرين عاما، وقيل ثلاثين، وهي ابنة اربعين، وشهد بنيان الكعبة بعد ذلك بعشر سنين، وتراضت قريش بحكمه في وضع الحجر، فوضعه بيده - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل عام خمسة وعشرين، وقيل بين بنيان الكعبة ومبعثه خمس سنين.
ونزل عليه الوحي وهو ابن اربعين سنة، يوم الاثنين، فأسر أمره ثلاث سنين، أو نحوها. ثم أمره الله بإظهار دينه والدعاء اليه، وقيل وكل به اسرافيل ثلاث سنين، ثم وكل به جبريل، فلما دعا إلى الله نابذه قومه وكذبوه، واجاره عمه أبو طالب اذ أرادوا قتله، وحصره قريش ومعه بنو هاشم وبنو المطلب في الشعب، في سنة ست من مبعثه، وتوفي عمه سنة ثمان في النصف من شوال، وقيل عام عشر وهو اقرب، وخرجوا من الشعب سنة خمسين؛ بعد أن مكثوا في الحصار ثلاث سنين، ومات بعد ذلك أبو طالب بستة اشهر، وتوفيت بعده خديجة بثلاثة ايام، وقيل بسبعة، وقيل بشهر، وبقيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اربعة وعشرين عاما وستة أشهر واربعة ايام، وتزوج بعدها سودة وعائشة قيل في تلك السنة.
مخ ۶
وفيها خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف، بعد عمه فلم يجد عندهم خيرا، ثم رجع في جوار مطعم بن عدي؛ سنة احد وخمسين، وفيها جاءه جن نصيبين بعد ثلاثة اشهر، فاسلموا، وأسري به إلى بيت المقدس، وقيل بعد سنة ونصف من رجوعه من الطائف، وقيل الاسرا قبل خروجه إلى المدينة بسنة، قيل وشهرين، ثم بايعته الانصار بيعة العقبة.
ثم اذن الله له بالخروج في سنة اربع وخمسين؛ حين اراد نصره واظهار دينه، بعد أن أقام بمكة ثلاثة عشر عاما، وقيل عشرا، وقيل خمسة عشر، فهاجر؛ وكان رفيقه أبوبكر الصديق، وكان يخدمهما عامر بن فهيرة.
فقدم المدينة ضحوة نهار يوم الاثنين، لاثنتى عشرة خلت من ربيع الاول، وكان خروجه من مكة يوم الاثنين بعد العقبة بشهرين وليال، والعقبة ايام التشريق، وقيل خروجه من الغار اول ربيع الاول يوم الاثنين، وقيل قدم المدينة يوم الجمعة، وقيل يوم الاثنين لثمان خلت منه، فنزل في بني عمرو بن عوف، فاقام عندهم اربعة ايام، قيل عند سعيد بن خثعمة أو عند كلثوم بن الهرم واسس مسجدهم. وخرج منتقلا إلى المدينة فادركته الجمعة في بني سالم فصلاها في بطن الوادي، ثم استوى على ناقته، فثارت لا يردها راد حتى أتت موضع مسجده عليه السلام، فبركت ثم ثارت فمضت غير بعيد ثم عادت إلى مبركها واطمأنت، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يراعي حكم الله تعالى فنزل عنها. وأوى إلى منزل أبي ايوب الانصاري البخاري فلم يزل عنده شهرا، حتى بنا مسجده في تلك السنة
مخ ۷
ومساكنه، فانتقل اليها، واذن الله له بالقتال واخا بين المهاجرين والانصار.
وبعث عمه حمزة في جمادى الاولى، وهي اول غزوة واول من عقدت له راية في الإسلام في ثلاثين راكبا إلى سيف البحر فلقي أبا جهل بن هشام، في ثلاثمائة من قريش، فحجز بينهم رجل من جهينة،
ثم بعث عبيدة بن الحارث في خمسين راكبا يعارض عير قريش فلقوا جمعا كثيرا، فتراموا بالنبل ولم تكن بينهم مسافة، وقيل سرية عبيدة كانت قبل حمزة وفيها رمى سعد بن أبي وقاص اول سهم رمى به في سبيل الله. وقيل اول لواء عقده عليه السلام لعبد الله بن جحش والصحيح إن سيرته في العام الثاني إلى نخلة، وفيها قتل الحضرمي لليلة بقيت من جمادى الاخرى.
فلما أطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجتمع اليه المهاجرون والانصار فأقام الصلاة وفرضت الزكاة والصيام والحلال والحرام وأقام الحدود.
ثم خرج غازيا في صفر غزوة الأبواء حتى بلغ ودان، ثم خرج يوم الثلاثاء لثلاث خلون من ربيع الاول إلى بواط؛ وهو على ثلاث مراحل من المدينة، ورجع لعشر خلون منه، ثم خرج غازيا في جمادى الاولى لعشيرة من بطن ينبع، وقد بعث فيما بين ذلك سعدا غازيا، حتى بلغ الخوار، من أرض الحجاز. ثم خرج غازيا في اثر كرز بن جابر، إلى صفوان، من بدر؛ وهي بدر الاولى، وذلك في جمادى الاخرى.
ثم بعث عبد الله بن جحش وقد تقدم التنبيه عليها. ثم بدر الكبرى قتل فيها صناديد قريش يوم الجمعة على الصحيح، صبيحة سبع عشرة من رمضان، وافترض الله رمضان،
مخ ۸
وحولت القبلة، وليس في الاسلام افضل منها.
ثم غزا بني سليم بعد رجوعه من بدر بسبعة أيام حتى بلغ الكدر من مياههم، فاقام به ثلاثا، ثم رجع.
ثم غزا غزوة السويق: خرج في أثر أبي سفيان، في ذي الحجة حتى بلغ قرقرة الكدر. ثم غزا نجدا، يريد غطفان، خرج اليها بعد أن اقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها، واقام بنجد صفرا كله وتسمى غزوة ذي امر.
ثم رجع وأقام بالمدينة ربيع الاول كله، أو الا قليلا منه، ثم خرج غازيا يريد قريشا حتى بلغ نجران من ناحية الفرع، فاقام بها شهر ربيع الاخر وجمادى الاولى، وفيما بين ذلك امر بني قينقاع من اليهود، ومحاصرة النبي عليه السلام اياهم حتى نزلوا على حكمه، وتشفع ابن أبي فيهم.
وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة إلى نجد، فأصاب عير قريش، على القردة ماء من مياه نجد، ثم قتل كعب بن الاشرف؛ قتله محمد بن مسيلمة في فتية امره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك. وقتل محيصة بن مسعود، بن مسينة أو سبينة اليهودي،
ثم غزوة أحد، اصيب فيها حمزة عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجماعة من الصحابة اكرمهم الله بالشهادة، ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ثم خرج في اثر العدو، حتى انتهى إلى حمراء الاسد، اقام بها ثلاثا، ثم رجع.
ثم بعث مرتد بن أبي مرتد، وخبيب بن عدي، في سبع نفر، واخذوا يوم الرجيع، ثم بعث المنذر بن عمر في اربعين رجلا إلى نجد؛ يدعون إلى الله فاصيبوا ب بئر معونة، ثم غزوة بني النضير، ثم غزوة ذات الرقاع، من نخل إلى نجد في جمادى
مخ ۹
الاولى، ثم غزوة بدر الاخيرة، لميعاد أبي سفيان في شعبان عام اربعة.
ثم غزوة دومة الجندل، في شهر ربيع الاول عام خمسة ثم غزوة الخندق، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها معجزات كثيرة. ثم غزوة بني قريظة، ثم غزوة بني لحبان، من هذيل، طالبا باصحاب الرجيع خبيب واصحابه.
ثم غزوة ذي قرد في اثر عيينة بن حصن، اغار على لقاح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم غزوة بني المصطلق عن خزاعة وفيها حديث الافك ثم غزوة الحديبية، في ذي القعدة بعد اقامته رمضان وشوال من رجوعه من بني المصطلق فصده المشركون وفيها بيعة الرضوان وتقرب في الفضل من بدر ثم غزوة خيبر، ثم غزوة وادي القرى، ثم اعتمر عمرة القضاء، ثم الفتح، ثم غزوة حنين، ثم غزوة الطائف، ثم غزوة تبوك، قاتل فيها - صلى الله عليه وسلم - في تسع.
وزاد الواقدي غزوة وادي القرى، وغزوة الغابة، فهي احدى عشرة، وقبل كانت غزواته وسراياه وبعوثه من قدومه المدينة إلى أن مات خمسا وثلاثين،
قال المسعودي: ذكر الطبري عن من حدثه عن من حدث عن الواقدي كانت ثمانيا واربعين وقيل كانت ستا وستين ثم قبضه الله اليه وهو ابن ستين، وقيل ابن خمس وستين.
قال المسعودي: تزوج من النساء خمس عشرة امرأة، دخل باحدى عشرة، ومات عن تسع: خديجة، وسودة وعائشة بنت أبي بكر ولم يتزوج بكرا غيرها وام سلمة بنت أبي امية واسمها هند وكانت من اجمل النساء وجها وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة
مخ ۱۰
زوجها النجاشي من النبي - صلى الله عليه وسلم - واصدقها منه اربعمائة دينار وزينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث وجويرة بنت الحارث بن ضرار وصفية بنت حيي بن اخطب الكندية وزينب بنت خزيمة ماتت قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمرة بنت يزيد الكلابي واسماء بنت النعمان الكندية.
وله أسماء - صلى الله عليه وسلم - : محمد، وأحمد، والماحي، والعاقب، والحاشر.
واولاده القاسم، وهو اكبرهم وبه كان يكنى.وعبد الله وهو الطيب، والطاهر، ورقية، وأم كلثوم، وزينب، وفاطمة، كلهم من خديجة. وابراهيم، من مارية القبطية.
مرض الرسول ووفاته.
عن أبي مويهبة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جوف الليل فقال: ((يا أبا مويهبة اني قد امرت أن استغفر لأهل هذا البقيع)) فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين اظهرهم قال: ((السلام عليكم ياأهل المقابر ليهني لكم ما اصبحتم فيه مما اصبح الناس فيه اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع الاخرة الاولى والاخرة اشر من الاولى)) ثم اقبل علي فقال: ((يا أبا مويهبة اني قد اوتيت مفاتح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة)) فقلت بأبي أنت وامي فخذ مفاتح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة قال: ((لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة)) ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف.))
فابتداء به الوجع ووجد عائشة تقول: ((وارأساه)) لوجع في رأسها فقال: ((بل أنا والله يا عائشة واراساه ثم قال: ((وما يضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك))
مخ ۱۱
قلت: ((والله فكاني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فاعرست فيه ببعض نسائك)) فتبسم عليه السلام.
فتتام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى اشتد به وهو في بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي فاذن له جميعا قالت: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي بين رجلين من أهله احدهما الفضل بن العباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتي فاشتد به وجعه قال: ((اهرقوا علي سبع قرب من أبار شتى حتى اخرج إلى الناس فاعهد اليهم)) فاقعدناه في مخضب ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول: ((حسبكم حسبكم)). والمخضب: شبه اجانة يغسل فيها كالثور والمدكن.
ثم خرج - صلى الله عليه وسلم - عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر: فصلى على أصحاب احد واستغفر لهم فاكثر الصلاة عليهم ثم قال: ((إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله)) فبكى أبوبكر وفهم إن نفسه اراد فقال: بل نحن نفدوك بانفسنا قال: له على رسلك يا أبا بكر.فامر بسد أبواب المسجد الا باب أبي بكر ثم نزل.
وأشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت له عائشة: إن أبا بكر رجل رقيق ضعيف الصوت كثير البكاء اذا قرأ القرآن، قال: مروه فليصل بالناس قالت: فعدت لمثال قولي فقال: انكن صواحبة يوسف مروه فليصل بالناس وانما فعلت ذلك عائشة خشية أن يتشاءم الناس بمن قام مقامه عليه السلام في كل حدث فاحبت صرفه عن ابيها.
وقال ابن زمعة: كنا عنده
مخ ۱۲
عليه السلام فدعا بلال إلى الصلاة فقال: مروا من يصلي فخرجت وكان أبوبكر غائبا فقلت: لعمر قم صل بالناس فلما كبر قال عليه السلام: فاين أبوبكر فاين أبوبكر يأبي الله ذلك والمسلمون فكررها فبعث إلى أبي بكر وكان يصلي بالناس غير تلك الصلاة فقال عمر: ويحك ماذا صنعت بي يابن زمعة والله ما ظننت حين امرتني الا إن رسول الله امرك بذلك فقال: ما امرني ولكن حين لم ار أبا بكر رأيتك احق ممن حضرنا للصلاة بالناس.
ثم خرج يوم الاثنين والناس في صلاة الصبح فلما رفع الستر وفتح الباب وخرج كاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرحا به فتفرجوا فاشار اليهم أن تثبتوا على صلاتكم وتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رآه من هيأتهم في صلاتهم وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احسن هيئة منها تلك الساعة فعلم أبو بكر إن الناس لا ينفرجون كذلك الا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنكص عن مصلاه فدفعه في ظهره فقال له: صل وجلس إلى جنبه الأيمن فصلى قاعدا فكلم الناس بعد الفراغ من الصلاة رافعا صوته ((سعرت النار واقبلت فتن كقطع الليل المظلم اني لم احل الا ما احل القرآن ولا احرم الا ما حرم القرآن)).
ثم رجع وانصرف الناس وهم يرون انه قد أفاق من مرضه أي بريء فاضطجع في حجر عائشة فرأى سواكا اخضر في يد بعض آل أبي بكر فنظر اليه في يده نظرة عرفت انه يريده قالت: فاخذته فمضغته حتى لينته ثم اعطيته اياه فاستن
مخ ۱۳
كاشد ما رأيته استن بسواك قط ثم وضعه فنقل في حجري فنظرت في وجهه واذا بصره قد شخص وهو يقول: (الرفيق الاعلى من الجنة) قلت: خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضوانه ورحمته عليه بين سحري ومنحري وفي بيتي لم اظلم فيه احدا ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت من سفهي التدم مع النساء واضرب وجهي.
إضطراب المسلمون وأحداث السقيفة.
فقال عمر: إن رجالا من المنافقين يزعمون إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وان رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران والله ليرجعن كما رجع موسى. فاقبل أبو بكر حين بلغه الخبر وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله في بيت عائشة وهو مسجي عليه برد حبرة فكشف عن وجهه فقبله فقال: اما الموت الذي كتبه الله عليك فقد ذقته ثم لم يصيبك بعده موت ابدا. فرد البردة على وجهه. فخرج فقال: على رسلك انصت فلم ينصت فاقبل على الناس فلما سمع الناس كلامه اقبلوا عليه فحمد الله واثنى عليه ثم قال: من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت ثم تلى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } إلى { الشاكرين } فكان الناس لم يعلموا إن هذه الاية نزلت حتى تلاها أبو بكر واخذها الناس عن أبي بكر وانما هي في افواههم فاحتفل الناس واجتمعوا إلى وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
واعتزلت الانصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة لبني ساعدة
مخ ۱۴
واعتزل بنو هاشم وعلي والزبير وطلحة في بيت فاطمة واعتزل خالد بن سعيد بن العاص، وانحاز بقية الناس إلى أبي بكر ومعهم بنو عبد الاشهل فاتى آت أبا بكر وعمر فقال لهما: أن كان لكما بامر الناس حاجة فادركوا الناس قبل أن يتفاقم امرهم ورسول الله في بيته لم يفرغ من امره قد اغلق أهله دونه الباب، فقال: لابي بكر انطلق بنا إلى اخواننا من الانصار.
قال عمر : فلقينا منهم رجلان صالحان فذكرا لنا ما تمالا عليه القوم فقالا: فلا عليكم الا تقربوهم واقضوا امركم فقلت لناتينهم في سقيفة بني ساعدة فاذا سعد بن عبادة مزمل لوجع به فاتفق رايهم بعد أن كثر اللغط وارتفعت الاصوات فبويع أبوبكر فاول من بايع بشر بن سعد وقيل عمر بن الخطاب والرجلان عويم بن ساعدة ومعن بن عدي اما عويم فمن الذين قال الله فيهم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} وفيه قال عليه السلام: نعم المرء عويم بن ساعدة واما معن فقتل يوم اليمامة شهيدا.
وأتى أبوبكر المسجد فبويع بيعة العامة فحمد الله واثنى عليه ثم قال: ((توليت عليكم ولست خيركم فان احسنت فاعينوني وان أسأت فقوموني وقال: الضعيف فيكم قوي عندي حتى ارجع اليه حقه والقوي ضعيف فيكم عندي حتى اخذ الحق منه إن شاء الله ثم قال: اطيعوني ما اطعت الله ورسوله فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)).
ثم اقبل الناس على جهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الثلاثاء وتولى غسله
مخ ۱۵
وكفنه وتكفينه ودفنه وأمره كله عمه العباس وابناء الفضل وقتم وعلي وأسامة وشقران وأوس من الانصار فغسل وعليه قميصه يدلك من ورائه. وصلى عليه المسلمون جميعا من غير إمام، الرجال ثم النساء ثم الصبيان، ودفن ليلة الإربعاء في جوف الليل، وكفن في ثلاثة أبواب سحولية، ليس فيها عمامة ولا قميص، وحفر له تحت موضعه الذي قبض، ودفنت معه قطيفته التي يفترشها، وآخر الناس عهدا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتم بن عباس فعظمت بموته مصيبة المسلمين.
وارتدت العرب، وأشرابت اليهودية، والنصرانية، ونجم النفاق، وهم أكثر أهل مكة بالرجوع عن الإسلام، حتى خافهم عتاب بن اسيد عاملها فتوارا فقام سهيل بن عمرو فحمد الله واثنى عليه وقال: إن موت محمد عليه السلام لم يزد الإسلام الا قوة فمن رابنا ضربنا عنقه وكف الناس عما هموا به.
(ذكر خلافة أبي بكر رضي الله عنه)
لما بويع في المسجد بيعة العامة يوم الثلاثاء ، لم يتخلف عن بيعته الا من ذكرنا، فبايعه علي بعد ستة أشهر، وبعد موت فاطمة، وقيل أقل، وبعد مخاطبات ومراجعات، وبايعه جميع من تخلف الا سعد بن عبادة، واراد عمر أن يلجأ إلى البيعة فابى بشير بن سعد من ذلك.
وكان أبوبكر ازهد الناس واكثرهم تواضعا في اخلاقه وطعامه ولباسه وكان يلبس العباءة والشملة فاوصى عائشة أن ترد ذلك إلى عمر بن الخطاب بعده،
مخ ۱۶
قال: الحسن هو غداء بعضهم اليوم، وقدمت زعماء العرب واشرافهم وملوكهم وعليهم الحلل وبرود الوشي المثقل بالذهب والتيجان والحبر، فلما شاهدوا ما عليه من الزهد واللباس والتواضع والنسك والوقار وما البسه الله من الهيبة في أعين الناس ذهبوا مذهبه.
منهم ذو الكلاع الحميري قدم ومعه الف عبد غير عشيرته، فنزع وزهد وتزيا بزيه.
وقد رئي يوما يمشي في السوق على كتفه جلد شاة؛ ففزعت عشيرته لذلك وقالوا: فضحتنا بين المهاجرين والانصار والعرب قال لهم: اردتم مني أن أكون جبارا في الجاهلية جبارا في الاسلام لا والله لا تكون طاعة الرب الا التواضع لله والزهد في الدنيا الفانية.
فغلب على الناس في أيامه الزهد والتواضع تأسيا بفعله وسمعه أبوه يوما يصيح على أبي سفيان وهو يتذلل له ويتملق فقال لقائده على من يصيح فقال: على أبي سفيان فقال: أعلى أبي سفيان ترفع صوتك ياعتيق لقد تعديت طورك وجزت مقدارك فتبسم أبو بكر ومن حضره فقال: إن الله عز وجل رفع بالاسلام قوما واذل به آخرين.
وارتدت العرب بعد استخلافه بعشرة أيام، فلبس لهم جلد النمر، كما لبس للمؤمنين ثوب التواضع، وشمر لهم عن ساق الجد، وحصر عن ساعد الجهاد والحرب، بعدما شاور أصحاب النبي عليه السلام فاشاروا أن يتركوا وما اختاروا لظنهم إن لا طاقة لهم بالعرب لطول ما عالج رسول
مخ ۱۷
الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم من الجهاد والتكذيب والاذى والشدة والمشقة والمكروه مع كثرة عددهم وشدة شوكتهم وتخوفوا أن يكون لا طاقة لهم بحربهم فرضوا أن يتمسكوا بدينهم ويتركوا الناس وما اختاروا لانفسهم.
فقال: أبوبكر: (والله لو لم اجد احدا يؤازرني لجاهدتهم بنفسي وحدي حتى أموت أو يرجعوا إلى الاسلام ولو منعوا مني عقالا لجاهدتهم حتى الحق بالله) فشمر الذيل وقاتل من ارتد فعادوا جميعا مذعنين للحق وذلك سنة احدى عشرة.
ثم وجه فيها خالد إلى اليمامة فقتل مسيلمة بعد أن استشهد من المسلمين الف ومايتا رجل وقيل اربعمائة منهم سبعمائة جمعوا القرآن.
وفيها بعث المهاجر ابن أبي امية إلى حرب الاشعث بن قيس فاوتي به اسيرا في الحديد فقال لابي بكر بعد إن وبخه وشد عليه وعد عليه رذائله وسوء فعله، ابقني لحربك وزوجني اختك ففعل أبوبكر.
وفيها امر خالد أن يسير إلى العراق لقتال الفرس؛ ففتح حصونا في طريقه إلى أن بلغ الحيرة فلقي فيها صاحب مصالح كسرى فقاتلهم قتالا شديدا فهزمهم الله للمسلمين. فصالح أهل الحيرة.
وحج بالناس أبوبكر، فلما انصرف بعث أبا عبيدة إلى الشام لقتال الروم. وكتب إلى خالد أن يمده أميرا على المسلمين، وفتح في طريقه حصونا وصالح، فنزلوا على بصرى وصالحوها، والتقوا بجموع الروم باجنادين؛ بين الرملة وحيرون. فهزم الله المشركين بعد قتال شديد مات منهم في المعركة ثلاثة الاف. وذلك عام ثلاثة عشر في جمادى الاولى.
وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان
مخ ۱۸
بقين من جمادى الاخرة سنة ثلاث عشرة ودفن خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وله مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحوال وأخبار، وله فضائل ومنزلة عند رسول الله لا يطمع فيها غيره، وهو افضل من اهتدى بهداه، وخير من سلك سبيله، واتم من اقتدى به، واكمل من اتبع اثره، وقال فيه رسول الله عليه السلام: ((ارحم امتي بامتي أبوبكر)) وفي رواية ارءف امتي بامتي.
عن أبي الدرداء إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما طلعت الشمس وما غربت على احد خير وافضل من أبي بكر)). وكان مجلسه عن يمين رسول الله وصلاته خلفه، وهو الذي يؤمن اذا دعا ، ويتلوه اذا مشى، وكان أول الناس أسلاما، وأخلصهم أيمانا، وأشدهم يقينا. وأخوفهم لله قلبا، وأحسنهم صحبة، وأحوطهم على رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأقربهم من رسول الله مكانا، وأشبههم به هدى، وخلقا، وفضلا، وسمتا، واكرمهم عليه، وأوثقهم عنده.
وردت فيه عن النبي احاديث، تدل على كمال فضله، وتمام قربه منه، وكثرة يقينه، ورسوخ ايمانه، فاطلبها في فضائله ومناقبه وكفاك إن الله سماه صديقا، متقيا، {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} وسماه صاحبا. {ثاني اثنين إذ هما في الغار}إلى معنا. وانه رافق رسول الله في الهجرة، ومواطن الكره، وسار مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تخلفوا، واقام معه اذ قعدوا، وصبر في الشدائد اكرم الصبر، واستخلفه رسول الله في الصلاة؛ بل قيل انه اراد أن يكتب له؛ أن لا يختلف عليه اثنان. فلما تولى
مخ ۱۹
قوي اذ ضعفت أصحابه وجبنت، وبرز حين استكانوا، ونهض حين وهنوا، وقام بالامر حين فشلوا، ومضى بقوة الله حين وقفوا.
كان اطول الناس صمتا، وابلغهم قولا، واشجعهم قلبا، واشدهم يقينا، واحسنهم عملا، فحمل ثقل ما عنه ضعفوا، وحفظ ما اضاعوا، وراعي ما اهملوا، وعلا اذ سفلوا، وصبرا اذ جزعوا، ما اشبهه بالجبل الذي لا تحركه العواصف، ولا تزلزله القواصف، صدق فيه عليه السلام: ضعيف في نفسك، قوي في امر دينك، متواضع في نفسك عظيم عند الله، محبوب إلى أهل السموات والارض، فجزاه الله عن الإسلام خيرا.
(خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه)
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن قرط بن رباح بن عبد الله بن رزاح بن عدي بن كعب. اسلم قبل الهجرة باربعة اعوام، وكنيته أبو حفص، ولقبه الفاروق؛ لانه فرق بين الحق والباطل.
وسبب أسلامه: انه توشح سيفه، وخرج يريد قتل النبي واصحابه، فلقيه النمام نعيم بن عبد الله العدوي وكان مسلما، فصرفه إلى اخته فاطمة وزوجها؛ ابن عمه سعيد بن زيد وهما مسلمان، فقال فامره أن يقيم امرهما.
وكان خباب بن الارث يختلف اليهما ليعلمهما، فلما دنا عمر سمع القراءة، فلما احسوا به، توارى خباب، وجعلت فاطمة لوحا يعلمهما فيه خباب تحت فخذها، فسالهما عما سمع، فانكرا، فآل أمرهم إلى أن بطش بهما وشج اخته، فرق لها وندم لما راى الدم، وقال (لأخته): اعطني الصحيفة؛ وكان
مخ ۲۰