144

سر مکتوم

السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم ويليه جواب في الجمع بين حديثين، هما: دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك بكثرة المال والولد، وحديث دعائه بذلك على من لم يؤمن به ويصدقه

خپرندوی

مكتبة وتسجيلات دار الإمام مالك

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م

د خپرونکي ځای

الإمارات العربية المتحدة - أبو ظبي

والحاصل أنه -سبحانه- بيّن أن الإنسان إذا أصابه خير لتَوسِعَةِ الرزق مَنَعَ، وإذا أصابه شرٌّ لضيقِ الرزق جزَعَ، إلا القائمين بالواجبات؛ فإنهم يُبتلون بالخير فلا يمنعون، بل يُعطُون غيرَهم ويحسنون لمن دونهم، ويُبتلون بالشرِّ فلا يَجزعون بل يصبرون، فهم يتواصَوْن بالصبر ويتواصَوْن بالمرحمة، إذا قدَروا رحموا اليتيم والمسكين والضعيف، وإن أُصيبوا صبروا على فرائض الله وأمره، ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٨]؛ أي: امتحناهم بالنعم وبالمصائب (١) . والفاجرُ إن أُصيب جَزَع، وإن قَدَر ظلم، فهذا التفصيل ونحوه هو الصواب، دون إطلاق الجواب على أنه يمكن الفرق بين المالين بخلاف هذا -أيضًا-، وذلك بأن يقال: لا يلزم من الكثرة التي دعا بها لأنسٍ وجود مالٍ مدّخر، بل لعلها مالٌ يتجدّدُ له في كلِّ يوم من ربحٍ وغيرِه، وهو ينفده أولًا فأولًا، بخلاف التي دعا بها لغيره نفيًا وإثباتًا. ثم رأيت في «مسند أحمد» ما يؤيد هذا، قال أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن حُميد، عن أنس قال: دخل رسولُ الله ﷺ على أم سُلَيمٍ فأتته بتمرٍ وسمنٍ، فذكر الحديث. وفيه قول أم سليم له: خادمُك أنس ادعُ له، وفيه أنه ما ترك خير آخرةٍ ولا دنيا إلا دعا له به. وقال: «اللهم ارزقه مالًا وولدًا، وبارِك له فيه» (٢)، قال أنس: فما من الأنصار إنسانٌ أكثرُ مالًا مني، وذكر أنسٌ أنه لا يملك ذهبًا ولا فضةً غير خاتمه. وهذه الفائدة رحلة، وحينئذٍ فلا ينافي ما ورد من دعواته ﷺ المتفق عليها وهي: «اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتًا» (٣) .

(١) انظر: «تفسير الطبري» (٢٣/٢٦٤- ط. هجر)، «الوجيز» (٢/١١٣٣)، «المحرر الوجيز» (١٥/٩٦)، «اللباب» (١٩/٣٦٥) . (٢) سبق تخريجه (ص ١٤٦) . (٣) أخرجه ابن أبي شيبة (١٣/٢٤٠)، ووكيع في «الزهد» (١١٩)، وأحمد (٢/٢٣٢، ٤٤٦، =

1 / 155