صبروا على: الغربة والفقر والحصار والاذى والتعذيب ومصادرة الاموال وحبس النساء والاطفال والتفريق بين الآباء والازواج وذويهم؛ فصنعوا بصبرهم وصمودهم أروع فصل في تأريخ الاسلام ، وثبتوا اسس الرسالة ، واختطوا الدرب المضيء للاجيال من أبناء هذه الامة .
وقد خلد الشعر والادب تلك الصورة الحية في تاريخ الجهاد ، ونحت منها لوحة أثرية معبرة ، خطها بمشاعر اللوعة ، ورسم مشاهدها بأحرف الصدق والمعاناة ، المهاجر الرائد أبو أحمد بن جحش :
(64)
« لما رأتني أم أحمد غاديا *** بذمة من أخشى بغيب وأرهب
تقول : فإما كنت لا بد فاعلا *** فيمم بنا البلدان ولتنأ يثرب
فقلت لها : بل يثرب اليوم وجهنا *** وما يشاء الرحمن فالعبد يركب
إلى الله وجهي والرسول ومن يقم *** إلى الله يوما وجهه لا يخيب
فكم قد تركنا من حميم مناصح *** وناصحة تبكي بدمع وتندب
ترى أن وترا نأينا عن بلادنا *** ونحن نرى أن الرغائب تطلب
دعوت بني غنم لحقن دمائهم *** وللحق لما لاح للناس ملحب
أجابوا بحمد الله لما دعاهم *** إلى الحق داع والنجاح فأوعبوا
وكنا وأصحابا لنا فارقوا الهدى *** أعانوا علينا بالسلاح وأجلبوا
كفوجين : أما منهما فموفق *** على الحق مهدي ، وفوج معذب
طغوا وتمنوا كذبة وأزلهم *** عن الحق إبليس فخابوا وخيبوا
ورعنا إلى قول النبي محمد *** فطاب ولاة الحق منا وطيبوا
نمت بأرحام إليهم قريبة *** ولا قرب بالارحام إذ لا تقرب
فأي ابن اخت بعدنا يأمننكم *** وأية صهر بعد صهري ترقب
ستعلم يوما أينا إذ تزايلوا *** وزيل أمر الناس للحق أصوب » (1)
مخ ۸۶