وكانت المرضعات كلما سمعن أنه يتيم أعرضن عن رضاعه ، ولم يقبلن به ، فقد كن يرغبن في المال الوافر والعطاء . وشاء الله أن تكون المربية التي تحظى بشرف احتضانه ورعايته هي (حليمة بنت أبي ذؤيب السعدي) زوجة الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي . تسلمه الحارث من جده عبد المطلب وسلمه إلى حليمة السعدية لينشأ في حضنها ، ويدرج بين أبنائها : عبد الله بن الحارث ، وأنيسة بنت الحارث ، وحذافة بنت الحارث التي عرفت باسم (الشيماء) ، هذه الشيماء التي كانت تحنو على رسول الله (ص) في طفولته وتحتضنه وتعتني به اعتناء المربية والحاضنة الرؤوم . وحين بلغ الرابعة (وقيل الخامسة أو السادسة) من عمره ، عادت به حليمة إلى امه وجده ، صبيا لا كالصبيان ، وناشئا لا كالناشئة؛ فقد نشأ وعاش طفولته في كنف تلك المربية الحنون ، ثم في رعاية امه وجده . عاش لا كما يعيش الصغار من أصحابه وأترابه، عاش ورعاية الله
تحوطه، ولطف المربي يغمر جوانب حياته وهو يعد ويربى إعدادا وتربية إلهية خاصة ، لذلك كان يقول (ص) :
« أدبني ربي فأحسن تأديبي »(1).
لقد ولد ونشأ وشب مطهرا مبرأ من الذنوب والمعاصي وعادات الجاهلية وعقائدها وسلوكها ، وعرف عنه النفور من الاوثان ، والتأمل في ملكوت السماوات والارض ، ثم الخلوة والانفراد والتعبد في مرحلة الشباب .
وهذا الصبي اليتيم ، والأمل وباب الغيب المفتوح على عالم الشهادة، كانت حياته مليئة بالمعاناة والفقد والفراق ، فحين أبصر نور مكة لم يبصر أباه عبد الله ، وحين غدا صبيا يمرح
(14)
في ظلال امه الحنون شاء الله سبحانه أن يعوضه عن حنان الامومة ، حنانه ورعايته الفريدة ، عندما توفيت آمنة وهو لم يتجاوز السادسة من عمره الشريف .
مخ ۱۷