وبعد أن تحقق النصر للدعوة ونبيها الكريم محمد (ص) في أرجاء الجزيرة ، وتم فتح مكة والطائف ودمرت معاقل الشرك والوثنية وظهر الاسلام كقوة عقيدية وسياسية وعسكرية ؛ أخذت وفود العرب تفد على رسول الله لتعلن إسلامها وولاءها ، فوفد على رسول الله ثلاثة وثلاثون وفدا يمثلون قبائلهم ، وأخذ رسول الله يوجه كتبه ورسله إلى الملوك والرؤساء يدعوهم إلى الاسلام من منطق القوة والوثوق بالوعد الالهي بالنصر المؤزر ، وكان ممن وجه إليهم كتبه ، هم أساقفة نجران يدعوهم إلى الاسلام ويعرفهم بدعوته . ونص كتابه المبارك هو :
«بسم الله ، من محمد رسول الله إلى أساقفة نجران : بسم الله فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، أما بعد ذلكم فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد ، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتم فالجزية ، وإن أبيتم آذنتكم بحرب ، والسلام» (1).
حل هذا الكتاب الذي خاطب زعماء النصارى في نجران في بلاد اليمن ، مثل انطلاقة جديدة
تستهدف إحلال الدين الاسلامي وفق السنن الالهية محل الديانة المسيحية بعد أن حرفت وبعد
(40)
أن قضى الله سبحانه نسخها ، وإن كانت صحيحة ، وفي الرسالة نلاحظ أن الرسول (ص) حاول أن يرجعهم إلى اصول العقيدة التوحيدية التي بشر بها إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب لاتفاقهم معه ، أن هؤلاء هم رسل الله ، وليثبت لهم أنه نبي يدعو بدعوة الانبياء .
ثم إننا نشاهد في هذه الرسالة منطق القوة التي يخاطب بها المعاندون ، إن لم يستجيبوا لمنطق الحق ، ودعوة العقل السليم .
مخ ۵۶