وكما حدثنا القرآن وصور لنا ببيانه العذب ، واسلوبه الانيق ، وعرضه المعبر الدقيق ، تلك الصور والاوضاع المأساوية التي عايشها الانسان المعذب في مرحلة ما قبل محمد(ص).
فجاهلية العرب ووثنيتها واميتها ووحشيتها تعبث بأطلال الجزيرة ، وتدنس ربوع مكة والبيت الحرام، ومجوسية الفرس وسلطانها تعبث في مشرق الدنيا فسادا ، والنار تعبد من دون الله، وأحبار اليهود ورهبان النصرانية قد حرفوا التوراة والانجيل، ودولة الروم تسوم الناس في مغرب الدنيا سوء العذاب، والعالم يضج ، وكيل الارض يطفح بالجرائم ، وحياة الغاب المتوحشة تسيطر على سلوك الانسان .
في هذا الوسط الاجتماعي المتداعي وفي ظلمات ذلك العصر الجاهلي المتخلف بزغت أنوار الاسلام ، وشع ضياء محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (ص) ، المنحدر من ذرية النبي إسماعيل بن إبراهيم (ع) ودعوة إبراهيم المستجابة التي رواها القرآن على لسان إبراهيم (ع) :
(ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) . (البقرة / 129)
ويحكي رسول الله هذه الدعوة ويوضح ذلك السر ، فيقول (ص) :
« أنا دعوة أبي إبراهيم »(1).
فقد دعا النبي إبراهيم (ع) ربه حين أنزل ولده إسماعيل في مكة ، وهي أرض لا زرع فيها ولا ماء ، تحيطها البوادي القفر وتطوقها الجبال الجرداء ، دعا الله أن يرزقهم من الثمرات ،
(12)
ويجعل الارض المباركة عامرة بالناس والقاطنين ، وأن يبعث فيهم رسولا منهم ، فاستجاب الله دعاءه ، وكان محمد (ص) من ذريته المباركة يحمل راية التوحيد ، ويبشر بدعوة الهدى والاصلاح .
مخ ۱۴