344

فلما وصل هذا الرسول إلى زبيد كتم السلطان أمر الحشيشين واستدعى رسولا من الإمام وأظهر أنه راغب في الصلح فوجه إليه الإمام القاضي التقي المخلص يحيى بن الحسين بن عمار من أهل الدين والعلم والحزم والثبات في أموره وأمر أن يدري بأمر السلطان فإن كان صادقا كانت المراجعة والعمل معلوم وإن كان غير ذلك لم يكن قد ظهر وهو عليه السلام مقيم في حصن حلب وفي خلال استدعاء السلطان للرسول من عند الإمام وجه الحشيشين مع ابن أبي الفهم إلى صنعاء وأمر لهما بالملابس النفيسة والمركوب ولم يدر أحد بهما وأظهر أنهما رسولان مشرفان على خزائن الحصون أو نحو ذلك، فلما وصل ابن الفهم إلى صنعاء التقاهم السلطان أحمد بن علوان بن بشر بن حاتم بن أحمد بن عمران بن أبي الفضل اليامي وهو خاصة السلطان وبطانته وموضع سره وأمانته فأسر إليه ابن أبي الفهم الأمر، ووصل كتاب السلطان وظهر من أمرهم أن هذا ابن أبي الفهم وصل بخزانة وأنه يريد الصلح بين الإمام وبين السلطان وأن هذين الرجلين شاهدين أو نحو ذلك، وربما أظهروا أن تسليم حصن كوكبان للإمام وأن يؤخذ عوضه حصن هداد للسلطان وانتشر الكلام ومالت خواطر الناس إلى ذلك واضطرب أسد الدين ذلك الأمر راجع نفسه من مكر أو خديعة، وتقدم أحمد بن علوان والحشيشيان إلى حصن كوكبان وأظهروا للوالي تسليم الحصن، فاضطربت أموره، وأظهروا افتقاد الخزائن والشحن، وكاتب ابن علوان الإمام وأراه الرغبة من السلطان في الإصلاح وأظهر أنه يريد الوصول وأنه يطلب الرفاقة والذمة الأكيدة، فلم يبق عند الإمام عليه السلام شك في رغبة القوم في الصلح وأن وراءهم أمر هم عليه، فامر بالذمة فلم يلبث أن قدم الشيخ الحشيشين ومعه رجل من [118ب-أ]مولدي الغز يقال له: ابن لبابة، يقال أنه خدع في صحبة الحشيشي، والظاهر يحكم عليه بالبغي والعدوان، فوصل الرجلان آخر يوم الخميس وهو السادس من ربيع الآخر ثلاث وخمسين وستمائة، فأمر أمير المؤمنين بإنصافهما وإكرامهما، واستأذن الرجلان في السلام فأذن أمير المؤمنين عليه السلام لهما وكان عنده السلطان الأجلان الناصران شجاع الدين حسين بن سعيد، وأسد الدين محمد بن الوشاح في عصابة من أجواد قومهم قريب من الخمسين فقيل لأمير المؤمنين في الحزم والحذر من كيد الحشيشيين ففعل وكان معه من الأجواد ما لم يمكن الحشيشي معه أن يبت، فدخل الحشيشي فسلم على الإمام هو وصاحبه والإمام على نهاية الحذر منهما في ذلك الأوان وخرج هو وصاحبه بعد ساعة، وكان من الغد وهو صبيحة يوم الجمعة فأظهر الحشيشي أنه مريض، فلما حضر وقت الجمعة خرج أمير المؤمنين إلى موضع في الحصن فصلى بالناس صلاة الجمعة وجاء إليه رجل من أهل ثلاء فأشار إليه أن يحزم من الحشيشي فلم يصدق الإمام وخصوصا بعد ما لم يثب في الليلة التي وصل فيها، ثم أن أحمد بن علوان وصل إلى حصن ثلاء لما علم من المشايخ أهل ثلاء أنهم اضطربوا من الشائعة بتسليم كوكبان وهم في ذلك الأوان محاربون للإمام عليه السلام ومباينون له فطيب نفوسهم وهو يقوم ويقعد وهو يتطلع الكائنة من الحشيشي، فلما كان بكرة السبت عند طلوع الشمس دخل الحشيشي وصاحبه وأظهر أنه يريد حزم الأمور والوداع والرجوع إلى ابن علوان وأنه ما وصل إلا شاهد ؛ لأن السلطان قد بلغه أن ابن علوان لا يريد صلحا بين الإمام وبينه، فأمر الإمام أن يخلى له المكان فلم يبق مع الإمام إلا ثلاثة نفر وهم عمدة خواصه الفقيه العلامة الأوحد نظام الدين خاصة أمير المؤمنين القاسم بن أحمد الشاكري، والفقيه الطاهر التقي داعي أمير المؤمنين محيي الدين معلا بن عبد الله القيسي ثم البهلولي، والشيخ الطاهر المخلص تقي الدين خاصة أمير المؤمنين عبد الله بن يحيى بن علي الصعدي، وأمر أمير المؤمنين أن يقف السلاطين ومن معهم في مجلس قريب منه وخدمه وأتباعه كل واقف في موضعه من القصر، فلما دخل الرجلان على الإمام إلى مجلسه وهو على مرتبته التي ينام عليها والمجلس في طوله إلى مقدار خمسة عشر ذراعا، فلما دخل الرجلان وكان الإمام في شرقي المجلس وأصحابه في غربييه فردا السلام وتحدث بحديث غير طائل ولا منتظم، ثم استأذن الإمام وأصحابه أن يلقي إلى الإمام حديثا سرا فتوهم الكل أن معه حديثا من السلطان، فدنا من الإمام قليلا حتى بقي بينهما نحو ذراع وبينه وبين أصحابه إلى أربعة أذرع هذا تقديرا، ثم تحدث بحديث كحديث السكران وقيل: إنه أكل في ذلك اليوم من [119أ-أ] الحشيشة التي يسكر بها الصوفة، وقال: وقطع الإمام وكلما تحدث معه الإمام، أو سامه أمر احتمل بيانه فاستنكر الإمام حديثه ثم طلب من الإمام أن يكتب له ورقة أمان، وأن يكون مختلف هو وابن أخيه ولم يكن عنده أنه يظفر في كرته تلك وأزمع على القيام، والوداع على غير طائل ولا يفده في أمر من الأمور.

مخ ۳۶۲