130

سراج الملوک

سراج الملوك

خپرندوی

من أوائل المطبوعات العربية

د خپرونکي ځای

مصر

الماء وتكره أن تخرج بالنهار، فحمل عمر عنها القربة حتى بلغ منزلها وقال: اغدي على عمر غدوة يخدمك خادمًا. قالت: لا أصل إليه. قال: إنك ستجدينه إن شاء الله تعالى. فغدت عليه فإذا هي به فعرفت أنه الذي حمل قربتها، فذهبت تولي فأرسل في إثرها وأمر لها بخادم ونفقة. ولما حج عمر قال: كم بلغت نفقتنا يا برقا؟ قال: ثمانية عشر دينارًا يا أمير المؤمنين. قال: ويحك أجحفنا ببيت مال المسلمين! وقال شهر بن حوشب: لما قدم عمر بن الخطاب الشام طاف بكورها حتى نزل حمصًا فقال: اكتبوا لي فقراءكم. فرفعوا إليه الرقعة فإذا فيها سعيد بن عامر فقال: من سعيد بن عامر؟ قالوا: أميرنا! فعجب عمر وقال: كيف يكون أميركم فقيرًا؟ قالوا: إنه لا يمسك شيئًا. فبكى عمر وبعث إليه ألف دينار يستعين بها في حاجته، فجعل يسترجع، فجعل يسترجع فقالت له امرأته: مالك أصابك أمير المؤمنين بشيء؟ قال: أعظم من ذلك أتتني الدنيا دخلت علي الدنيا، وإني سمعت النبي ﷺ يقول: إن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين عاماُ، فوالله ما يسرني أني حبست عن الرعيل الأول وأن لي ما طلعت عليه الشمس! قالت: فاصنع به ما شئت. قال: هل عندك معونة؟ قالت: نعم. فأتته بخمارها فصر الدنانير فيه صررا ثم جعلها في مخلاة وبات يصلي ويبكي حتى أصبح، فاعترض جيشًا من جيوش المسلمين فأمضاها كلها. فقالت له امرأته: رحمك الله لو حبست منها شيئًا نستعين به! قال: سمعت النبي ﷺ يقول: لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت الأرض من ريح المسك، وإني والله ما أختارك عليهن! فسكتت. وروي أن عمر بن الخطاب استعمل على حمص رجلا يقال له عمير بن سعد، فلما مضت السنة كتب إليه أن يقدم، عليه فلم يشعر به عمر أن قدم ماشيًا حافيًا معه عكازته بيده وأداوته ومزوده وقصعته على ظهره، فلما نظر إليه عمر قال: يا عمير أجبتنا أم البلاد بلاد سوء؟ فقال: يا أمير المؤمنين أما نهاك الله أن تجهر بالسوء من القول وعن سوء الظن؟ وما ترى من سوء الحال وقد جئتك بالدنيا أجرها بقرابها؟ قال: وما معك من الدنيا؟ قال: عكازتي أتوكأ عليها وأدفع بها عدوا إن لقيت، ومزودي أحمل فيه طعامي، وأداوتي هذه أحمل فيها ماء لشربي وصلاتي، وقصعتي هذه أتوضأ فيها وأغسل فيها رأسي وآكل فيها طعامي، فوالله يا أمير المؤمنين ما الدنيا بعد إلا تبع لما معي! قال: فقام عمر من مجلسه إلى قبر رسول الله ﷺ وأبي بكر وبكى ثم قال: اللهم ألحقني بصاحبي غير مفتضح ولا مبدل. ثم عاد إلى مجلسه فقال: ما صنعت في عملك يا عمير؟ قال: أخذت الرقة من أهل الرقة، والإبل من أهل الإبل، وأخذت الجزية من أهل الذمة عن يد وهم صاغرون، ثم قسمتها بين الفقراء والمساكين وأبناء السبيل، فوالله يا أمير المؤمنين لو بقي عندي منها شيء لأتيتك به! فقال عمر: عد إلى عملك. فقال عمير: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن لا تردني إلى عملي ولم أسلم منه حتى قلت لذمي: أخزاك الله! فهذا ما عرضني له. ولقد خشيت أن يخاصمني له محمد ﷺ ولقد سمعته يقول: أنا حجيج المظلوم ومن حاججته حججته، ولكن أتأذن لي آتي أهلي؟ فأذن له فأتى أهله فبعث إليه عمر رجلًا يقال له حبيب بمائة دينار فقال له: إذا أتيت عميرًا فانزل عليه ثلاثًا، فإن يكن خائنًا لم يخف عليك في عيشه وحال أهل بيته، وإن لم يكن خائنًا لم يخف عليك فادفع إليه المائة دينار. فأتاه حبيب فنزل عليه ثلاثًا فلم ير له عيشًا إلا الشعير والزيت، فلما مضت الثلاث قال: يا حبيب إن رأيت أن تتحول عنا إلى جيراننا، فلعلهم أن يكونوا أوسع عيشًا منا، فأما نحن والله لو كان

1 / 132