قد كان يشبك والمرحوم جركس في الدنيا خليلان مشهوران كالعلم شبه البدور وكل الناس يعشقهم حتى جرى ما جرى في سالف القدم عاشا جميعا وماتا في مسارعهم يا ليت قاتلهم من بعد ذاك عمي فرحمة الله تغشى أرض تربتهم بفضله وسقاها وابل الديم ويحفظ الله مولانا وسيدنا شيخ الملوك وشيخ العرب والعجم فوق الضريحين علا قبة ولها نور يضيء من القرآن في الظلم تقبل الله منه ما أشار به وزاده نعمة بالجود والكرم.
هذا الذي غمر الضيفان نائله ومدحه بالعطا والفضل ملو فمي هذا الذي سائر الفرسان تعشقه للسيف والضيف لا يلوي ولا يسم هذا الذي قهر الأعداء عزائمه وراح أشجعه بالرعب منهزم والطائعين أتوه خوف سطوته سعيا على الرأس لا سعيا على القدم حاز المفاخر أقصاها وأقرها ونال بالسيف نمها أوفر القسم مليح وجوه جليل القدر ذو هيف ظريف شكل لطيف الذات محتشم له جمال ونور يستضاء به سريع الفهم فصيح النطق مبتسم شاعت شجاعته في الأرض قاطبة وعم بالفضل أهل السيف والقلم حاسبت نفسي على طول المديح له فقال فكري هذا البحر فاغتنم وغصت فيه رأيت الدر منتشرا منه عليه فقلت الدر منتظمي فالله يبقيه للسلام دعة بجاه خير البرايا الطاهر الشيسم (بسيط) ورحلت برجالك وأموالك كفا لأيدي المعتدين، وصونا لدما المسلمين، وفعلت فعلة اتخذت بها عند الله بدا، فهيأ الله لك من أمرك رشدا، ولو أقمت دعت الحاجة إلى القتال، ولكن شفقت على الإسلام والعيال، وتوجهت إلى البرية، متوكلا على رب البرية، وأنت للدعاء والثناء تكتسب، فرزقك الله من حيف لم تحتسب، فلقوك العربان والتركمان، بالطاعة والأمان، فقال لسان الحال ارتجالا: لا تحمل الهم ولا ساعة فما قضاه الله بالأمر كان والله أعطاك خصالا بها أصبحت في الناس فريد الزمان علم وحلم وبعيد المدى قريب إحسان وحلو اللسان والفقها والترك قالوا لنا جملت أهل السيف والطيلسان يا فارس الخيل قهرت العدى بهيبة حتى ملكت العنان وجدت بالعفو وكثر العطا للترك والعربان والتركمان فالله يبقيك لنا آمنا كما أذقت الناس طعم الأمان (سريع) [17] ولما دخل نوروز الشام في النوبة الأول÷، بنيته المحولة، أظهر أكل الحلال عن الحرام، وتعفف عن المخدرات وشرب المدام، ونادى بتبطيل المنكرات والمحرمات ودفع الشهوات وبالشبهات، وتقرب من العوام، وبدأ بالسلام، وخرج إلى الفرجة على مواكبة كل المرأتين في أزار، ولم مات عندهم جعلوا قبره مزار. وفي الثانية، قعد وتركن، وتمسكن حتى تمكن، وعزل الخندق لعمارة القلعة، وجرعهم عصص الموت في جرعة، وأفرض الذهب على الفدادين، والحمامات والبساتين، والفنادق والطواحين، والمدارس والدكاكين، وأطربهم بالطبل والزمر، وهم يستبشرون بذلك الأمر، فوصل العمل إلى الثلث وهم يتظلمون، فانطلقوا وهم يتخافتون، فقلت لأهل الشام، المتعصبين لنوروز على شيخ الإسلام: نادين أهل الشام لما اشتكوا اخترتم نوروز من جهلكم وواقف التنزيل في قوله احببتموه وهو شر لكم (سريع) وأما جكم. فإنه ركب الشهبا، وظن أنه يسوقها شرقا وغربا، فكبا به الزمان، في حلبة الميدان، لما ركب هواه، وما بلغ مناه، وبنى القلعة وعلاها، ومضى وخلاها، وطغى وتجبر، وتنمر وتكبر، وتسلطن واجترى، وقد خاب من افترى، وتلقب بالملك العادل، وعدل عن الحق بالباطل، وكان وانقضى، كأمس ومضى، فتوى نوروز بالأموال والعساكر، وخاطره يشهد أنه ماهر ماكر، وعم ظلمه العامة أجمعين، ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين. وفي الثالثة الماضية، يا ليتها كانت القاضية، سخر الترك والعوام، فكان عليهم أشد الأعوام، وقطع الأوقاف، وما هاب يوم المخاف، وقطع أرزاق الأرامل والأيتام، ونام قلبه وعين المظلوم لا تنام، أخذ الأغنام والأبقار، وجعلهم أضحية تقربا للنار، وقال رب العالمين، (إنما يتقبل الله من المتقين)، وخرق الزراع والغلال، وجمع القيود والأغلال، فكانت لهم نصيبا، ومن حفر لأخيه المؤمن قليبا، أوقعه الله فيه قريبا، وسلط المشاة النواشر، على أذى العباد بكثرة المناسر، وحملوا المنشاة والخناجر، وبلغت القلوب الحناجر، وأضحوا في طغيانهم يعمهون، وهم يحسبون أنهم يحسنون، ووالاهم على سفك الدماء والوقت بهم عسير، لبئس المولى ولبئس العشير، واجتهد في عمارة القلعة، وجرع الناس غصص الموت في جرعة، وحرض أتباعه إلى القتال، وجمع الأموال عساه من أمر الله يصونهم، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم، وذلك عين الجنون، أو لم تعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون، وأمر لعمل المناجيق والمدافع، ولسن الحال يناديه (إن عذاب ربك لواقع)، وظلم الناس (ولا يفلح الظالمون)، و(سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)، فكم أنصاب في العمارة صانعا من حجر ثقيل وكم في صحائفه من قتيل، وكمن عذب نسمة بالتسخير، فاستغاث الناس إلى ربهم يتضرعون (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) فقلت على لسان الحال في الحال: أتى نوروز أرض الشام نائب أحل بأهلها كل النوائب وعمر قلعة كانت خرابا أصاب الناس فيها بالمصائب فصادرهم وسخرهم جميعا وهذا الرأي رأي غير صائب وخرب عامرا بالظلم حتى يعمر بعض آثار الخرائب وزاد تجبرا وطغى ببغي وقد سارت بما فعل الركائب وأوقاف الأنام استقطعوا أناسا فيهم كل المعائب فآذوا الناس لما أن تولوا أذاء صار منه الطفل شائب وجوهم بتعنيف وضرب وفرق ظلمهم شمل الأقارب وعادات الصغار اللعب طبعا إذا ما كان حسن الشيخ غائب مليك ذو حياء في وقار لطيف الذات محبوب الحبائب له عدل يناسب عدل كسرى به يرقى إلى أعلى المراتب وشيخ ملوك أهل الأرض جمعا وسيد كل من جر الجنائب وغصن البان يخجل إذ تثنى وبدر في المواكب والكتائب وليث في وقائعه ولكن يعوق عن الغنائم والمكاسب ويفرح إن عفا عن كل ذنب ويلقى بالرضى من جاء تائب وما برحت خزائنه قفار ويسمح بالعطايا والمواهب وأقسم ما له من الجود ند ولا في العالمين له مناسب فتى يحمي النزيل إذا أتاه وقاصد فضله ما رذ خائب ضحوك في حكومته عبوس لطيف بالأقارب والأجانب وينطق بالصواب مع ابتسام ويظهر بالغرائب والرغائب وإن ركب الجياد ترى جوادا يأتي في الوقائع بالعجائب وقاص وعده ما زال دان وعند وعيده الشيطان هارب قريب للقلوب إذا تبدى مليح والعيون له تراقب كأن الله أسكن في البرايا محبته المطاعم والمشارب وذلك فضله يؤتيه عبد أحب ويصطفيه بالمواهب فلا برح الدعاء له مقيما دواما في المشارق والمغارب (وافر) وقام نوروز في عمل الأسلحة وعمارة القلعة بالاجتهاد، وما بلغ المراد، وأخذ حجارة المدارس، وأصبح رسمها دارس، والناس إلى ربهم يبتهلون: (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون)، فراسل الناصر يطلب من المماليك والأمراء، وحاسب نفسه فيما جرى، ليقص منه الجناح، ويصطاده مساء وصباح، وأنت عازم على المجيء إليه، فضاقت الدنيا عليه، فتوجه إليك مصالحا، فأقبلت عليه مسامحا، وتوجهت إلى ثغر طرابلس المحروس، فاطمأنت بك النفوس، وملكت الحصون والثغور، وغنمت بقلع آثار المفسدين من القلاع أعظم الأجور.
[18] فتوح قلعة المرقب وصهيون والحصون. فمنها قلعة المرقب، وبلبان خائفا يترقب، وأقمت الأمير شجاع الدين شاهين إلى صهيون، وبعون الله كل صعب يهون، فأطاع بلبان، ووقع أبوا قردان، فقلت: شاهين يصطاد الأسود طائرا علا بهذا في الأنام وارتفع رام أبو قردان ينجوا هاربا بنفسه وعندما طار وقع (رجز) [19] الصلح مع الناصر. فحاسب نفسه في مصالحتك، وأفلح أن صدق في مناصحتك، وأرسل الوعد بالخلف، وقال: "عفا الله عما سلف"، وبعث القضاة بالشفاعة، وأجبت بالسمع والطاعة، وشرفك بالتشريف الشريف، فشرفته بشكلك اللطيف، لعلمه أن ما في الأعيان لك نظير، ولا ينبئك مثل خبير، وملكت الحصن المنيع، بعون الله سريع.
[20] حصار حلب مع المشطوب. وتقدمت إلى حلب، وعاداتك كشف الكرب، قال الشيخ العلامة الإمام ابن حجة قبلة الأدب، وكنز الطلب، المظهر بمرقصاته أنواع الطرب، المنشئ بإنشائه فنون العجم والعرب، وهو حاضر الحرب المشروح، ارتجالا على الفتوح، من البديع سريع: أيا ملكا في الفتح يقرأ سيفه وفي النصر والأعداء قد زلزلت رعبا تملكت شقراء الشيام بقوة وذلك في الميدان أبقلها وثبا وصهوة صهيون ودهماء مرقب جنيتهما واليوم حمحمت الشهبا (طويل) وقال المملوك: والشيخ لما أن أتى نائبا نودي له قد أفلح المؤمنون تبارك الرحمن في صنعه ألهمه في الحرب كل الفنون ففرق الأحزاب لما سبا بعزمه الأعداء والكافرون وكم له من وقعة أصبحت تمتحن الصفين عند المنون وإن أبى يفتح مستعصبا فبالعطايا كل صعب يهون في الفتح يرقأ سيفه دائما والسمر أكباد العدى ينظمون والنصر في أعلامه كامنا لذلك اليوم التاريخ يوعدون والشعرا كالنمل يدعوا له في قصص التاريخ لا يفترون (سريع) فعطفت قلوب أهل الشام بالمحبة عليك، واشتاقت النواظر إليك، بما قاسوه من جور الغير، ورد الله عاقبتهم رجوعك إليهم إلى خبر، وذكروا انصافك وعدلك، وما ألفوه من إحسانك وفضلك، وبلوغ كل منهم غاية أربه، وأنشد لسان الحال طربه: الشيخ لما أتانا ثانيا جادت أياديه بسحب كل ماكثه لله ما أكرمه من نائب يمنع بالأسياف كل حادثه مول تولى مرتين عندنا وعنده للخير فينا باعثه ونحن من رب السماء نرتجي أن يسمح الدهر لنا بثالثه (رجز) واستجاب الله دعاءهم، وبلغهم مناهم، هذا ونوروز مجد في عمارة القلعة، وأنت في حصن الله متخوف بالولاية والخلعة، فقال المملوك: أراد نوروز تحصينا بقلعته من القتال فلما أن علا فهوى وأنت في حصن رب العالمين أقم مع العناية ما كل الحصون سوى (بسيط) فخرج عليك، وعين الله تعالى ناظرة إليك، فنزلت على الفريقين، وعدلك ناظر في أمر العسكرين، فتعاهد العربان، على قتل الترك والغلمان، فأبيت ذلك، وارتحلت بفرسانك ورجالك، فاجتمعت عليك العساكر، واطمأنت بك الخواطر، فبينما أنتم في العسكر اليسير، إذ أقل العسكر الكثير، وعرض نوروز العصاة والأجلاب، وقابل السباع بالكلاب، فما ثبتوا ولا قابلوا، وفروا قبل ما قاتلوا، وصبرتم على غدرهم فأصبحوا خاسرين، وقال الله تعالى "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اله والله مع الصابرين"، فكان هو الدليل على الهزيمة، وأصبح العزيز منهم ذليلا في الغنيمة. فقال لسان الحال في الحال ارتجالا في حق نوروز وهروبه.
هذا الذي جعل الخيل الجياد له جنائبا تنجلي في الحلي والعدد حتى يصيرها يوم القتال إلى نحو الهزيمة لا يلوي على أحد وبعد هذا يقول الرأس يسلم لي وكيف يصنع في رأس بلا جسد لا يحصد العبد إلا كلما زرعت له أياديه من خير ومن نكد هذا وكم رفع الله الكريم فتى فضلا وكم مات أقواما من الحسد (بسيط) ولما حاف، وما خاف، سلطك الله تعالى عليه بجيش الزحف الزحاف، ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها، وترك أشياء كثيرة ما تعوق من أجلها، ورفعت عنهم السيف بقوة الإيمان، وأمنوا على أنفسهم لما ناديت بالأمان، وأظهرت المروة والفتوة والنخوة، وتبعت قوله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) وتغيرت بالكسرة أحوالهم، (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) وأما مماليك السلطان، خلفتهم في الأوطان, وعتقتهم من الحبوس، فمالت إليك النفوس، وفرقت عليهم النفقة، على سبيل الصدقة، وأمرتهم بترك حمل السلاح فأصبح العزيز منهم ذليلا، وقوله تعالى (لو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا) . وقلت في وقعتهم ووقعة التركمان، وكان فألا مباركا إن شاء الله تعالى: قال الحريري في مقامته في مارواه للغير ينتسب وآخذ اللفظ فضة فإذا ما صغته قلت إنه ذهب وعبدكم ناظم جواهره ترقص سماعها إنه ذهب ومادح سيد الملوك بها الخاصكي شيخنا كما يجب جماله بالجلال مستتر وشخصه بالجمال محتجب يسطو على الأسد في مهابته إذا رأوه في الحال يرتعبوا أنشا جيوشا لنار معركة ليطفئوا ما كالنار ينكسب خيولهم كالطيور سابقة بدكسه في المجال يضطرب إن سمعوا دقه بزخمته ينتبهوا سرعة وينتدبوا آمننا عدله وأضحكنا بكا أعاديه حين ينتحبوا تغلبوا خيله فما وصلوا وعندما عاينوا اللقا غلبوا في الحرب لما وقفت ما وقفوا فروا صغارا بشيخهم هربوا وأنكروا كلما نفقت لهم وكم تزيد العطا وكم تهب وفاعل الخير يلتقيه غدا وحافر البئر فيه ينقلب حافوا وخافوا على أنفسهم وضيعوا ما لهم ما كسبوا وارتكبوا البغي في جهالتهم عاد عليهم بمثل ما ارتكبوا واصطحبوا الغدر في ضمائرهم حيف عليهم فبئس ما اصطحبوا وكلما اضمروا حاط بهم وبعد هذا للعفو يرتقبوا فقلت لا تقنطوا لعفو فتى يعفو ولا في فعاله ريب محتسبا دائما بخالقه ما خاب من في الأمور يحتسب والله أعطاه ما يؤمله بما نواه وحاله عجب والله عون له وناصره وكل من عاندوه قد عطبوا (منسرح) وقلت: يا ملكا في الوجود هيبته تهابها التركمان والعرب أبشر بنصر لا زلت منتصرا تكشف غم الخطوب والكرب تراكمين الجبال ما اجتمعوا إلا ليدعوا الثبور والحرب أنتم أسود الوغى وهم غنم فتأخذوا جلدهم وتستلبوا سوف يروا منكم ما يفرقهم ويهربوا سرعة وينتهبوا والملك لا زالت الحروب به حتى يرى الرأس فيه والذنب وفارس الخيل في وقائعه يرى له صوله وينتسب وفي سماع الضروب مرقصة زخمة شيخ الوغى لها طرب (منسرح) وطلبت الغريم بهمتك الزاكية، إلى أبواب أنطاكية.
[21] حصار نوروز في أنطاكية. فاستجار بغير جنسه، وحبس نفسه بنفسه، فضربت عليهم دائرة السوء بالحصار، وهم يرمون بالنشاب والأحجار، فشلت يدا من رماك، وأصاب الفرس فكانت فداك، فحملت عليهم حملة الضرغام، وسقيتهم كاسات الحمام، فاشتد الأمر على التركمان، واستغاثوا: " الأمان الأمان!" فأقبلوا عليه، ونهبوا ما بين يديه، وأسروا في القيود والأغلال، وكفى الله المؤمنين القتال، وطلبوا النجاة لأنفسهم بالفرار، (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار) فملكت البلد، وما تعرضت إلى أحد، وناديت بالأمان، وقابلت الإساءة بالإحسان.
فقلت على سبيل الإنصاف، بلا خلاف: بغاة تمادوا في العباد وأفسدوا كثيرا ولم برعوا جوارا لمسلم أساءوا فلما أدركوها تسحبوا إلى حيف ألقت رحلها أم فشعم (طويل) قلت لما طغى جمع البغاة وأصبحوا متفرقين بسائر البلدان راموا النجاة وكيف تنجو عصبة مطلوبة بالشيخ والسلطان (كامل) وأما الأمراء فالبعض مشتتين في البلاد، وآخرين مقرنين في الأصفاد، وقيد المقبوض عليهم واجتمعوا معتقلين في سجن القلعة جملة، فحصل السرور بهذا القبض الداخل والاجتماع في القلعة، وأحصن ما قال من قال، في بغيهم وسوء المآل: بغوا واعتدوا ظلما وخانوا مليكهم وأمسوا على فعل القبيح وأصبحوا فما أفلحوا في سعيهم واجتهادهم ومن هذه أفعالهم كيف يفلحوا؟ (طويل) ولقد كان يوما مشهودا، ووقتا من أوقات الهناء معدودا، صلحت فيه الأمور، وانشرحت الصدور، وسرت السرائر، ودقت البشائر، وظهرت للنصر أشائر، ومما شاهدت في ذلك اليوم من البراهين، فرسان كأنهم شياهين.
[22] وفي مستهل رجب الفرد سنة إحدى شهر عشر وثمانمائة، وصل الركاب الكريم إلى دمشق المحروسة، وحللت بدرا سعادتها المأنوسة، فتضاعفت الأفراح، وتزايد السرور والانشراح، وزال الخطب والبأس، وابتهل بالدعاء لك سائر الناس، وكانت الأفراح بذلك شهود، ورأيت يوما مجموعا له الناس وكان يوم مشهود، فأقر الله بك عيون أهلها، ورجع بسعدك وسعادتك ما تشتت من شملها، ورفعت قواعد أركانها، ونشرت أردية عدلك على سكانها ، ورددت عنهم كل معلة وحادثة، وحققوا ما كانوا يرجونه من ولايتك الثالثة، وقرت أعينهم بالنظر إلى وجهك الحسن، وقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، ورجع السيف إلى قرابة، وحضر الليث إلى غابة. فقلت: لما دخلت الشام يا كل المنى في الموسم المعروف بحلاوة ألبسك الله الجمال حلة وزانك بالحسن والطلاوة (كامل) فقلت: مرحبا مرحبا وأهلا وسهلا بك يا أشرف الملوك محلا أنت شيخ الملوك في كل فن فلهذا أصبحت للمدح أهلا حزت جودا وهيبة ووقارا واقتباس في الحكم عقد وحلا كل من جاء طائعا نال خيرا والذي قد عصاك فر وولا فكفى الطائعين منك أمانا وكفي بالعصاة خوفا وذلا وبشير الهنا ينادي جهارا جمع الله للمحبين شملا (خفيف) [23] نوبة صرخد مع الملك الناصر. فتوجه الملك الناصر إلى الشام، وما بلغ المرام ولا في المنام، فهداك الله صراطا سويا، ورفعك مكانا عليا، وحصنك حصنه الحصين، وجعلك من الآمنين، وملكك قلعة صرخد العالي بناها، المعتدل هواها، وخصك بالنعيم، وأعداؤك في الجحيم، فظلت عليهم الحال، فطلبوا الصلح وتركوا القتال، فبلغتهم بالصلح المراد، ولكنهم أصروا العناد، وتولى بكتمر الشام كأضغاث أحلام، وتوليت ثغر طرابلس المحروس، ليزول ما في النفوس، فأرسلت بطلب الاحتياج، فأجاب بانحراف مزاج، وأنكر الإحسان، وبدأ بالإساءة والطغيان.
[24] وقعة الشام مع بكتمر جلق وكسرتهم وعريتهم في الكسوة. فتقرب الفرسان بالأموال، وأحوجهم إلى ارتكاب الأهوال والقتال، وخرجوا بغير طريق، فوقعوا في المضيق، وما عرفوا العدو من الصديق، ولا لحق الرفيق الرفيق، ورجعوا نصل الليل، بكسرة وويل، وولوا هارين إلى الناصر، لا يلحق الأول الآخر، فملكتها بالشوكة القوية، ونصرك الله بحسن النية، وشرعت في عمل المصالح، وقصدت كل عمل صالح، فقلت: رأى ثمر الوقائع وهي تجنى بنصر الدين فاستحلى جناها وأرض الشام عمرا بعد وجاد بماله لما بناها (وافر) [25] وأما نوروز. فإنه أقام في أسر ابن رمضان، أمير التركمان، مدة أيام مذبذب، وبعد ذلك تسحب، واتصل بقلعة الروم، وما بلغ ما يروم، وهذا عاقبة من ظلم، وتقوى بما كان فيها لجكم، وما وجد أمان، فآوى إلى التركمان، فخرج إليه دمرداش، وحاصره في لاش، وكان دمرداش نائب حلب، فجد في الطلب، ولا بلغ أرب.
محاصرة الملك الناصر حماة مع دمرداش والصلح. فتوجهت إليه، وضربت دائرة السوء عليه، ونوعت أنواع القتال، وحصرته فرأى الأهوال، فاستغاث بالناصر وهو من كل جهة خاسر، فأمر دمرداش أن يأتي إليه، فدارت الدائرة عليه، وانكسر وتزندق، لما وقع في الخندق، ودخل حماه، ولا خرج نوروز ولا حماة، فأخذت الغنيمة والخيل، واستمروا بحماه في الذل والويل، والدنيا مقبلة عليك، وعين الله تعالى ناظرة إليك، في طاعتك العرب والتركمان، وأنت بحم الله في أمان، ومن العجائب والغرائب، في بلوغ الأوطار، أن الله ينصرك بالأمطار.
ناپیژندل شوی مخ