[القطعة الأولى من كتاب المغازي.] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مقدمة المحقق عندما ظهر الإسلام كان عرب شماليون كثيرون من قطّان المدن كمكة ويثرب والطائف يقرأون ويكتبون؛ ذلك أنّ شمال الجزيرة كان يشهد منذ النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي حقبة ازدهار اقتصادي وسياسي متصل. كانت الدويلات التي أقامها الفرس والبيزنطيون على أطراف الجزيرة أو في داخلها قد ضعفت أو سقطت، وكانت اليمن قد فقدت حكومتها المركزية القوية ثم سقطت في قبضة الأحباش ثم الفرس؛ فرافق ذلك صعود شمال الجزيرة بزعامة مكة التي تحولت إلى ما يشبه جمهورية ارستقراطية سيطرت على طرق التجارة وأسواقها في الجزيرة، وأقامت نظام «الإيلاف» الذي نظّم العلاقات بين الحضر والبدو في الداخل من جهة ومع الدول المجاورة من جهة أخرى «١» . وطبيعيّ أن تتعرض مكة ويتعرض محيطها وقد أصبحت مركزا تجاريا رئيسيا إلى جانب مكانتها الدينية عند العرب منذ القديم؛ طبيعي أن تتعرض لتأثيرات خارجية دينية وثقافية وسياسية. وهكذا فقد عرفت مكة كما عرف شمال _________ (١) قارن: نقائض جرير والفرزدق ٢/ ٥٨١، ٦٣٨، ديوان جرير ١/ ٢٦١- ٢٦٢، :Islam:in Before Unity Arabe of Natur The:Grunebaum.٣٦٩١ X Arabica- Caskel:Entdeckungen in Arabien ٧٢- ٢٣..P ٥٦٩١ IIIV Jesho in Tamim and Mecca:Kister-. ٦١١- ٣١١.

1 / 5

الجزيرة الديانتين اليهودية والنصرانية، كما عرفت أخبارا من أخبار الفرس والروم وعرفت أيضا بعض التقاليد الثقافية التي كانت سائدة في منطقة ما يسمّى بمنطقة «الثقافية الهيللينية» «١» . إلى جانب هذه التقاليد الحضارية الخارجية التي وصلت إلى مكة؛ تكوّنت في مكة نفسها تقاليد ثقافية خاصة بها وبشمال الجزيرة بشكل عام. كان من ضمن هذه التقاليد الخطّ العربي المستعار في الأصل من الأنباط «٢» . هذا الخطّ الذي وصلت إلينا نماذج من تطوراته الأولى تعود إلى مطلع القرن الرابع الميلادي ما لبث أن انتشر وسيطر في الأصقاع التي انتشرت فيها تجارة مكة وأسواقها في شمالي الجزيرة وجنوبيها «٣» . ولا شك أن شباب قريش الذين كانوا في أكثرهم تجارا، وكانوا يعقدون المعاهدات، ويسجّلون العقود ويحتاجون إلى كتابة الرسائل كانوا يعرفون في أكثرهم الكتابة العربية، والقرآن الذي ترد فيه إشارات كثيرة إلى الكتب والكتابة والعقود والنظم التجارية شاهد صريح على كون هذه الأمور كلها معروفة وممارسة لديهم «٤» . وكتب السيرة والتاريخ والطبقات تؤكّد ذلك بذكر أسماء أشخاص بعينهم في مكة والمدينة كانوا يحسنون الكتابة والقراءة، كما تذكر تقليدا آخر- ربما كان خاصا بالمدينة المنورة- مفاده أنّ أولئك الذين كانوا يحسنون الكتابة والسباحة والرمي كانوا يسمّون «الكمله»، وكان منهم بين الأنصار عدد ليس بالقليل «٥» . _________ (١) قارن..ff ٨ Islam im Autike der Fortleben Das:Rosenthal.E: (٢) قارن..٩٣٩١ Chicago.Script Arabic North The of Rise The:.N Abbot: (٣) قارن: ٤٦ Arabes des Penetration La:Dussaud-.ff ٣١٣ II Araber Die:Stiehl- Altheim- جواد علي: المفصل ٣/ ١٩١ وما بعدها. (٤) القرآن ٢٣/ ٢٨٢، وقارن ناصر الدين الاسد: مصادر الشعر الجاهلي ٤١- ١٣٣. (٥) طبقات ابن سعد ٣/ ١٣٦، فتوح البلدان ٤٧٣- ٤٧٧.

1 / 6

كان لا بدّ من هذه المقدمة الموجزة للوصول إلى التساؤل الملحّ فيما يتصل «بالوعي التاريخي» عند العرب وجودا وأساسا وتطوّرا. نحن نعرف الآن من خلال النقوش العربية الجنوبية أنّ الجنوبيين كانوا يؤرخون لكل شيء «١»، كما أن الكتابات العربية الشمالية الأولى مؤرّخة. ثم إننا نعرف أن المكيين كانوا يتداولون قصصا وأسمارا فيما بينهم بعضها يتصل بماضي الجزيرة والآخر بالدول والحضارات المجاورة. وعندما توفي النبي وبدأ تكوين الأساس الإداري للدولة العربية- الإسلامية الجديدة سارع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب إلى اعتبار الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة بداية تاريخية للدولة الجديدة والدعوة الجديدة. الوعي التاريخي العربي الأوّلي الذي نشأ نتيجة إحساس مكة والشماليين بأنفسهم تدعّم بالدعوة الجديدة ونشأة مفهوم «الأمة» والدولة. يضاف إلى ذلك أن الصراعات القبلية بدأت مع الفتوحات وإنشاء الأمصار، كما بدأ صراع بين السلطة المركزية من جهة ورجال القبائل من جهة أخرى. وطبيعي أن تحاول كل قبيلة إنشاء «صورة تاريخية» خاصة بها دفاعا عن الذات، في الوقت الذي كانت فيه السلطة تحاول القيام بالأمر نفسه. هذا كله يدفعنا إلى القول بأنّ الوعي التاريخي العربي كما بدا في كتابات مؤرخي القرن الثاني الهجري هو وعي أصيل نشأ في البيئة العربية، وإن يكن قد تعرّض لتأثيرات خارجية فلا شك أن هذه التأثيرات بقيت عرضية «٢» . أولى الاهتمامات التاريخية في القرن الأول الهجري كانت بالسيرة النبوية، _________ (١) قارن بروزنتال: علم التاريخ عند المسلمين ٢١- ٢٢ (ترجمة د. العلي) . (٢) Islam Before Unity Arab of Nature The Grunebom-. ٣٦٩١ X Arabica:in روزنتال: علم التاريخ عند المسلمين ٣٣ وما بعدها. ٣٤- ٨٣ Islam in Consciousness Historical.W Braune- von.E.G.de (Islam in Law and Theology:in.٩٦٩١ II) Grunebaum

1 / 7

بالتاريخ القريب للأمة الناشئة. كان المجتمع يتطلع إلى محاولة «إعادة امتلاك» تلك التجربة التاريخية الفريدة، تجربة النبوة والمجتمع المثالي الأول. كان لا بدّ من «صورة تاريخية» تدعم فكرة الأمة والمجتمع الناشىء، ثم إنّ الفتوحات والاتصال بالأمم الأخرى، كل ذلك أبرز مشاكل جديدة رجوا حلّها باستعادة تجربة الوحي والإدارة والغزوات أيام الرسول، سيرة النبي، كتبت ضمن منظور تاريخي واسع يجعلها خاتمة تجارب الأمم التي عاشت أنبياء ونبوات أو كانت لها صلة من أي نوع بفكرة التوحيد. هذا المنظور التاريخي العالمي استمد مصادره من القرآن ومعارف العرب التقليدية وما عرفوه من خلال معايشتهم لأهل الكتاب في الأقطار المفتوحة، ومن خلال معايشتهم للشعوب غير الكتابية. تلا الاهتمام بالسيرة وخلفيتها اهتمام مماثل بأخبار العرب في جاهليتهم فيما يسمّى بأيام العرب نتيجة الصراعات القبلية، هذا بالإضافة إلى «الصور التاريخية» التي بدأت تنشأ عن التاريخ السياسي للدولة الإسلامية خلال الصراع بين السلطة الحاكمة والأحزاب السياسية الدينية التي تصدّت للسلطة الأموية وقاومتها «١» . اهتمّ بالسيرة النبوية وبخلفيتها التاريخية أشخاص عديدون في القرنين الأول والثاني الهجريين، منهم وهب بن منبه وأبان بن عثمان بن عفان وعروة بن الزبير وشرحبيل بن سعد، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وموسى بن عقبة وهشام بن عروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق. ولقد وصلتنا قطع من كتاب وهب بن منبه (٣٤- ١١٤ هـ/ ٦٥٤- ٧٣٢ م) في المغازي «٢»، كما وصلتنا أجزاء من كتابات محمد بن مسلم _________ (١) عبد العزيز الدوري: علم التاريخ عند العرب ١٧- ٢٠. (٢) نشرها ج. ر. خوري بهايدلبرغ.

1 / 8

ابن شهاب الزهري (١٢٤ هـ/ ٧٤١ م) في السيرة في كتاب المصنّف لعبد الرزاق ابن همام الصنعاني (٢١١ هـ/ ٨٢٦ م)، ويعتبر كل من موسى بن عقبة (١٤١ هـ/ ٧٥٨ م) ومحمد بن إسحاق (٨٥- ١٥١ هـ/ ٧٠٥- ٧٦٨ م) أهمّ ممثّلي المرحلة الثانية من مراحل كتابة السيرة، وأقدم من كتب في ظل العباسيين، وقد وصلت إلينا قطعة صغيرة من كتاب موسى بن عقبة في المغازي نشرت سنة ١٩٠٤ م. ومن دراسة هذه القطعة يتبين اهتمام موسى بالترتيب الزمني وبذكر تواريخ الحوادث، وباستعماله للأسانيد بدقة، ثم باعتماده شبه الكلي على شيخه الزهري «١» . مهما تكن أهمية أعمال أمثال الزهري وموسى بن عقبة، فإن عمل ابن إسحاق يبقى الأساسيّ فيما يتصل بالسيرة وإلى حدّ ما بالتاريخ. وتكمن أهميته كمؤرّخ في استيعابه لتجارب شيوخه، وفي تطويرها وإعادة تنظيمها من خلال فهمه الجديد للتاريخ، ومن خلال نظرته الشاملة النابعة من ثقافته الواسعة وإدراكه للمغزى السياسي «للصورة التاريخية» . من هنا صار ابن إسحاق شيخ كتّاب السيرة، وصار من كتبوا بعده عيالا عليه. وقد شعر كاتب سيرة كابن سيّد الناس بعد ذلك بقرون أنّ سيرة النبي نفسها وقيمتها التاريخية تتعرضان للخطر إن تعرضت الثقة بابن إسحاق المؤرّخ للتساؤل، لذا فقد رأى واجبا عليه أن يعقد في مطلع سيرته فصلا للدفاع عن ابن إسحاق في وجه ناقديه «٢» . _________ (١) عن كتاب السيرة الأوائل، قارن مقالات هوروفتر في II I Culture Islamic وقد ترجمها د. حسين نصار بعنوان «المغازي الأول ومولفوها» ١٩٤٩. وقارن، عبد العزيز الدوري: علم التاريخ عند العرب ٢٠- ٢٧. (٢) عيون الأثر ١/ ١٠- ١٧.

1 / 9

اصول - د اسلامي متنونو لپاره څیړنیز اوزار

اصول.اي آی د اوپنITI کورپس څخه زیات له 8,000 اسلامي متونو خدمت کوي. زموږ هدف دا دی چې په اسانۍ سره یې ولولئ، لټون وکړئ، او د کلاسیکي متونو د څیړلو کولو لپاره یې آسانه کړئ. لاندې ګډون وکړئ ترڅو میاشتني تازه معلومات په زموږ د کار په اړه ترلاسه کړئ.

© ۲۰۲۴ اصول.اي آی بنسټ. ټول حقوق خوندي دي.