سینما او فلسفه
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
ژانرونه
أحد الحلول المحتملة لهذا اللغز، بجانب ما يطرحه كارول، هو أن الوحوش تفتننا، وذلك يكفي للحفاظ على الاهتمام السردي وإعطائنا سببا لاحتمال المشاعر السلبية التي تبرز تلقائيا مع عرض صور الوحشية.
والآن أصبح لدينا تفسيران محتملان لما تتمتع به أفلام الرعب من جاذبية غامضة (إذا نحينا التفسير الفيسيولوجي جانبا).
22
أولا: لدينا التفسيرات التحليلية النفسية التي تزعم أن متع مشاهدة أفلام الرعب تنبع من تجسيد الرغبات المنحرفة بينما يجري إشباعها. ونحن نستمد المتعة من عناصر الرعب في أفلام الرعب نظرا لتفاعل المشاهد المرعبة على الشاشة مع كبتنا لرغباتنا. نحن لا ننتشي كالمختلين عقليا عند مشاهدة تلك الشرور المجسدة، بل نجد أنفسنا في وضع المستمتع بمنظر إشباع الرغبات المنحرفة. ثانيا: لدينا التفسير المعرفي الذي يطرحه كارول، والذي يدفع بأن المتع المستمدة من مشاهدة أفلام الرعب هي في المقام الأول متع سردية. وهي متع معرفية في الأساس؛ فنحن ننجذب إلى القصص لأنها تسحرنا، لا لأنها تتفاعل مع رغباتنا (الخفية أحيانا). نحن نستمتع بالقصص على الرغم من عدم منطقيتها عموما، وعلى الرغم من التقزز الذي تثيره في نفوسنا؛ لأنها تتمحور حول مخلوق صمم ببراعة كي يثير انتباها ينبع من فضول، ويحافظ عليه. نحن نستمتع بقصص الوحوش بسبب غموضها، والوحوش الواقعية غامضة من زاوية في غاية الأهمية في أعيننا؛ وهي وحشيتها وبشاعتها من المنظور الأخلاقي. إن غرابتها تشعرنا بالاضطراب لكنها تسحرنا على حد سواء.
أي من هذين التفسيرين هو التفسير الأفضل لمشاهدة الرعب الواقعي؟ بما أنه من الصعب إنكار وجود متع سردية في أفلام الرعب، فهي أفلام روائية في النهاية، يميل الجدل حول هذه القضية إلى التركيز حول مسألة ما إذا كانت توجد حاجة على الإطلاق إلى التفسير التحليلي النفسي. لا حاجة بمنظري التحليل النفسي إلى إنكار احتمالية كون متع المشاهدة هي بقدر ما متع سردية موجهة معرفيا، بل هم ينكرون ببساطة كون هذه الاستراتيجية التفسيرية كافية: عندما تستنزف المتع السردية، يظل شيء ما يجذبنا على نحو منحرف نحو تجربة الرعب، وذلك أمر يطرح التحليل النفسي التفسير الأفضل له. على صعيد آخر، يرغب المنظرون المعرفيون في استبعاد التفسير التحليلي النفسي كليا.
23
سوف نستخدم فيلم «ألعاب مسلية» لمحاولة تحديد مدى معقولية هذا الزعم المعرفي الرافض للتفسيرات التحليلية النفسية. «ألعاب مسلية» جدا
أول ما يجدر الإشارة إليه فيما يتعلق ب «ألعاب مسلية» هو كونه فيلما لا يتضمن الكثير من التسلية. ومن واقع خبرتنا، نادرا ما يستمتع المشاهدون بالفيلم، قد يجدونه مشوقا، لكنهم عادة ما يرونه غير ممتع على الإطلاق. بل إن البعض قد يغادر قاعة العرض قبل انتهائه. وكان الكثيرون سيحذون حذوهم لولا رغبتهم في الظهور بمظهر من يهتم بالفيلم اهتماما جديا. إنه فيلم رعب واقعي تعمد مخرجه تجريده بدقة من جميع المتع التقليدية التي تميز مشاهدة الرعب الفني؛ ما يجعله دراسة حالة مشوقة لتطبيق النظريات المتنافسة حول متع مشاهدة الرعب الفني.
يروي الفيلم قصة اقتحام منزل عائلة ثرية (تتكون من أم وأب وابنهما) وقتلها بينما تقضي إجازة نهاية الأسبوع في بيتها الريفي. لا يحاول الفيلم إثارة استجابة الخوف لدى الجمهور إلا في حالات قليلة نسبيا. (وباستثناء فاصل قصير عندما يهرب الابن الصبي إلى بيت الجيران، لا يتضمن الفيلم أي مشاهد لشخصيات تختبئ داخل الدواليب أو تنسل بحذر عبر أروقة مظلمة.) رغم ذلك يحافظ بنجاح على مشاعر التوتر لدى مشاهديه عبر عوامل عدة، من بينها سلوك غريب من زائرين يبدون على قدر التهذيب، ولا تنفك تتزايد غرابة ذلك السلوك حتى ينفجر سلوكهم العنيف؛ ألعاب تعذيب لا تطاق، تؤدى أمام كاميرا تعرض تفاصليها بقسوة لا ترحم؛ فرص الهرب تظهر وتتبدد بينما تؤجل جرائم القتل الموعودة على نحو لا يطاق. يستثير الفيلم باستمرار استجابة الرعب، لكنه لا يحقق ذلك عبر أي تجسيد وحشي لمذابح دموية، بل تنبع استجابة الرعب من الفزع الناتج عن البلطجة والترهيب والإذلال، عن تهديدات القتل التي يعبر عنها ببساطة ومرح، وعن جرائم القتل نفسها التي نسمعها ولا نراها. ربما كانت الصورة الأكثر ترويعا في الفيلم هي التي تجسد لعبة القطة في الحقيبة، حيث نرى رأس الصبي جورج مغطى بكيس الوسادة (الدقيقة 44). (ذلك كل ما في الأمر، لكنه كاف ويبرز دقة صورة الرعب في أعمال هانيكه.) على مدار الفيلم نشاهد، في ذعر لا ينفك يتزايد، أفراد العائلة بينما يتعرضون للترهيب والإذلال والتعذيب في إطار «الألعاب المسلية»، ثم يذبحون.
يقتل الصبي أولا، بعيدا عن الكاميرا، ونشهد نحن صدمة والديه بتفصيل موجع، يجسدها الفيلم تجسيدا مكثفا لا يكاد يحتمل، بينما يعرض جهاز التليفزيون شيئا في خلفية المشهد. إنه يعرض سباق سيارات بضوضائه المتواصلة وتعليقه الممل (الدقائق من 3 حتى 12 من الساعة الثانية). يجسد المشهد كله الأم (آنا، آن) بينما تجلس مصدومة مقيدة اليدين والقدمين. لقد غادر القتلة (مؤقتا)، تجلس آن في سكون تام، ثم تتمكن من الوقوف والقفز بصعوبة حتى تصل إلى التليفزيون وتغلقه، ثم تجاهد حتى تخرج من الغرفة، وتعود بعدما تخلصت من قيودها، وتساعد الأب على النهوض ثم مغادرة الغرفة. يستمر المشهد نحو تسع دقائق، وهي مدة طويلة إلى حد استثنائي بالنظر إلى الفعل الذي يصوره. وقد صور بكاميرا ثابتة، وتظهر الغرفة في لقطة متوسطة، ولا يتضمن أي مونتاج، تدور الكاميرا قليلا مرة واحدة فحسب، فيما عدا ذلك تظل ثابتة لا تتزحزح.
ناپیژندل شوی مخ