سینما او فلسفه
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
ژانرونه
6
لكنه ليس مفارقة، ولا يوجد ما يشكل تناقضا أو تعارضا جوهريا فيما يتعلق بفكرة استمتاع المرء أحيانا بتجربة المشاعر السلبية؛ فالمشاعر السلبية ليست «بالضرورة» غير ممتعة. الأكثر دقة أن نقول إنها «عادة» ما تكون غير ممتعة.
7
ورغم ذلك لا نزال نواجه لغزا هنا. ما الذي يجعل التقزز والخوف الذي تولده عادة أفلام الرعب مصدرا يعتمد عليه في المتعة؟ أي نوع من المتعة؟ تلك هي أسئلتنا المحورية، وسوف ننقحها ونحن نواصل مناقشتنا. وبما أن مجال الرعب واسع جدا ومعقد، فسوف نحصر اهتمامنا على أفلام الرعب الواقعي. الرعب الواقعي عنيف حتما - لا يمكن لوم الأشباح على مطاردتها للأحياء، ومصاصو الدماء قد لا يريدون سوى إشباع جوعهم بالدم، لكن القتلة المتسلسلين يتخذون من القتل مهنة - ما يثير مسألة الموقف الأخلاقي لهذا النوع. ومع أن هذا ليس محور اهتمامنا الرئيسي في هذا الفصل إلا أننا سنفحص بإيجاز النقد الأخلاقي للرعب الواقعي.
تميل المشاهد التي يهدد فيها البطل - والتي تلعب على احتمالية الانتهاك الجسدي أو العقلي - إلى توليد رد فعل الرعب الكلاسيكي؛ وهو الفزع. الخوف هو المكون السائد في الفزع، أو يبدو كذلك، لكن التقزز أيضا جزء لا يتجزأ منه. قارن أفلام الرعب بأفلام الإثارة، وستجد أن أفلام الإثارة تلعب على الخوف من أن حدثا سيئا - حتى وإن كان سيئا إلى حد كارثي - قد يحدث. وهي غالبا ما تصور تحقق تلك المخاوف، وتفعل ذلك في بعض الأحيان بطريقة تثير خوفا حقيقيا لدى الجمهور. ورغم ذلك، فنادرا ما تعتبر أفلام الإثارة أفلام رعب؛ ويرجع ذلك إلى أن الخوف الذي تثيره أفلام الإثارة ليس هو النوع المطلوب من الخوف؛ فخوف أفلام الرعب يتجاوز مجرد الخوف من حدوث أمر في غاية السوء، إنه الخوف من أذى بشع وصادم حقا، من أن تمزق أوصالك بينما لا تزال واعيا، من أن تطاردك (حتى الجنون) أشباح خارقة مهددة، وغير ذلك مما تصوره أفلام الرعب.
8
عادة ما تحقق تلك الأفلام تأثيرها عبر استثارة الفزع لا الخوف البسيط، وقد تحقق هذا التأثير بطرق أقل مباشرة إلى حد ما.
يعتمد نوع مهم من أفلام الرعب على الرعب النفسي بدلا من عرض صور الأذى الجسدي المنفر. فتجسيد القسوة الوحشية أو خطر وقوعها - وهو أسلوب يلعب على الإذلال المستمر واحتمالية الانتهاك الحاضرة دوما - يثير أعصاب المشاهدين ومشاعر الكرب لديهم، ويرسل القشعريرة في أجسادهم، أو يجمد الدم في العروق كما نقول أحيانا. الأفلام التي تركز على توليد رد الفعل العاطفي هذا تدعى في بعض الأحيان «أفلام القشعريرة»، والفيلم الذي نناقشه هنا ينتمي لهذا النوع، وهو «ألعاب مسلية» (فاني جيميز) للمخرج النمساوي مايكل هانيكه، وتوجد نسختان متشابهتان على نحو وثيق منه: نسخة نمساوية أنتجت عام 1997 (باللغة الألمانية)، ونسخة أمريكية أنتجت عام 2007 (باللغة الإنجليزية). وباستثناء اللغة المستخدمة والممثلين، فإن نسخة عام 2007 هي إعادة إنتاج لنسخة عام 1997 بالمشاهد نفسها دون تغيير؛ ومن ثم فإن ما سنقوله عن «ألعاب مسلية» يغطي النسختين، على الرغم من أن توقيتات المشاهد التي سنتحدث عنها تشير إلى نسخة عام 2007. (يختلف الفيلمان اختلافا هامشيا في هذا السياق.) في القسم الأخير من هذا الفصل، سوف نجيب عن السؤال حول السبب الذي دفع هانيكه إلى إعادة إنتاج الفيلم باللغة الإنجليزية، وحول هدفه من صنع الفيلم من الأساس.
متع الرعب الفني
الرعب الفني هو رعب ينتجه الفن مثل الأدب أو المسرح أو السينما أو الموسيقى أو الرسم وغير ذلك من الفنون المرئية. نحن بالطبع نهتم بتجربة الرعب الفني في السينما وتفسير جاذبيته، ونظرا لعجزنا عن تغطية جميع الاستراتيجيات التفسيرية الممكنة في هذا المجال، أو إيفاء أي منها حقها، فإننا سنستعرض عوضا عن ذلك ثلاث استراتيجيات تفسيرية: التفسير الفيسيولوجي، والتفسير التحليلي النفسي، والتفسير المعرفي الذي يطرحه نويل كارول. فلنتناول أولا السمة الفيسيولوجية في استجابة الرعب. عندما تعترينا استجابة الرعب في السينما نشعر بدفقة من الأدرينالين في عروقنا. ولإفراز الأدرينالين تأثيرات فيسيولوجية معينة؛ مثل زيادة معدل ضربات القلب، وتمدد الممرات الهوائية، وإطلاق الجهاز العصبي السمبتاوي لرد فعل الكر أو الفر، وغير ذلك. ويحفز إفراز الأدرينالين المفرط نوبة ذعر، لكن استجابة الرعب الفني تتضمن على ما يبدو مستويات معتدلة فحسب من إفراز الأدرينالين، ويبدو أن كثيرا من الناس يستمتعون بنتائج ذلك. وقد لا يرجع هذا إلى تأثيرات الأدرينالين في حد ذاتها، بل إلى إفراز متزامن للأندروفين، وهو نوع من الناقلات العصبية أفيونية المفعول. ربما يكون إفراز الأندروفين هو سبب استجابات المتعة المعتادة عند التعرض للرعب الفني، لكن ذلك مجرد تكهن. (نحن لا نهتم ها هنا بالتفاصيل الفيسيولوجية.) ما بوسعنا التأكد منه هو أن تجربة الرعب الفني تختلف عن تجربة الرعب الفعلي في كل من تكوينها وتأثيراتها. الرعب الفعلي غالبا ما يكون موهنا للعزيمة ومفجعا ومحدثا صدمات، وقد يتسبب أحيانا في أعراض خطيرة طويلة الأمد. على العكس من ذلك، عندما ينجح الرعب الفني بوصفه مصدرا للمتعة، فإنه لا يتضمن أيا من تلك التأثيرات السلبية. وإدراك المشاهدين في خلفية عقولهم أن ما يشهدونه غير حقيقي وانفصالهم عنه يغيران على ما يبدو من الاستجابة الفيسيولوجية لتجربة الرعب الفني، ويمنعان الاستجابات السلبية بالغة الخطورة حياله. ما يبقى على ما يبدو هو الرحلة المخيفة والصادمة التي في وسع المرء الاستمتاع بها فعليا.
ناپیژندل شوی مخ