سینما او فلسفه
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
ژانرونه
يتناول هذا الكتاب مجموعة متنوعة من المشكلات الفلسفية من خلال السينما، كما يفحص أيضا قضايا تتعلق بطبيعة السينما ذاتها. ينقسم مجال السينما والفلسفة إلى محورين متمايزين إلى حد ما. يسعى أحدهما إلى بحث القضايا الفلسفية التي تطرحها الأفلام، فعلى سبيل المثال قد تتشكك الأفلام في وجهة نظر أخلاقية معينة أو تطرح أسئلة حول الشكوكية أو طبيعة الهوية الذاتية. أما المحور الآخر فيختص بالقضايا التي تطرحها السينما بوصفها شكلا من أشكال الفن. ما الذي يميز السينما أو التصوير السينمائي بوصفه شكلا فنيا؟ ما المغزى الفلسفي وراء الأساليب الفنية والتكنولوجيا التي توظفها السينما؟ ما المغزى الفلسفي لاستجابة الجمهور للسينما؟ ما هي المزايا أو المخاطر الخاصة التي تنطوي عليها السينما بالنظر إلى جاذبيتها الجماهيرية وقدرتها على إثارة مشاعر قوية؟
إحدى القضايا التي ترتبط على ما يبدو بمحوري السينما والفلسفة كليهما هي قضية السينما باعتبارها وسيطا فلسفيا. هل في وسع الأفلام «التفلسف» فعليا، لا مجرد الاكتفاء بإبراز أفكار فلسفية؟ هل في وسع الأفلام أن تصبح أدوات للاستقصاء الفلسفي؟
1
يتناول الفصل الحالي هذه المسألة. أما المحور الثاني من مجال السينما والفلسفة؛ أي التناول الفلسفي للسينما ذاتها، فنطرحه في الفصل التالي. وقبل أن نستهل موضوع العلاقة بين السينما والفلسفة، دعونا أولا نستعرض بإيجاز بعض سمات السينما التي تجعلها قاعدة جذابة للتأملات الفلسفية.
قوة السينما ونطاق تأثيرها
يتحدث الأكاديميون كثيرا عن «الأدبيات»، التي تمثل مجموع الكتابات والأعمال الأساسية (الكلاسيكيات) التي تشكل مرجعا للأجيال المتعاقبة من البشر. ويفترض أن تنقل الأدبيات معنى وأنماطا لصياغة المفاهيم من جيل لآخر، وأن تشكل كذلك مجموع الكتابات المشتركة بين أبناء جيل واحد. نظريا، تهدف الأدبيات إلى وصف حقب وأجيال معينة وتمييزها، فتجسد على سبيل المثال مثلهم العليا (أو مثلهم العليا المزعومة) وآراءهم حول العائلة والحب والواجب الوطني. ويفترض أن تجسد الأدبيات مصدرا مرجعيا مشتركا لمجموعة من الأفراد ينتمون لثقافة ما، مهما كانت اختلافاتهم. والبعض يتساءل عما إذا كانت هذه الأعمال موجودة بالفعل أو سبق أن وجدت؛ على أي شيء استندت تلك الأعمال (الإنجيل أو غيره من الكتب المقدسة، أعمال شكسبير، أعمال جيه دي سالينجر)؟ وما المكانة التي ينبغي أن تحظى بها؟ وكيف ينبغي استخدامها؟ وما أوجه سلطتها ولأي غرض اكتسبت تلك السلطة؟
يمكن القول إن الأفلام الروائية - وندرج ضمن هذا التصنيف الأفلام الطويلة والمسلسلات التي تعرض على شاشة التليفزيون والمتاحة عبر أشكال أخرى متعددة - تشكل أدبيات أو أعمالا ومؤلفات أساسية حقيقية. إذا كان ذلك صحيحا، فإنه يرجع إلى المكانة الشعبية واللانخبوية لفن السينما؛ فأعداد من يشاهدون الأفلام ويناقشونها أكثر من أعداد من يقرءون، وبالتأكيد عدد الأفراد الذين يشاهدون الأفلام نفسها يزيد عن عدد من يقرءون الكتب نفسها، وتتخطى الأفلام الحواجز الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الحواجز التي تفصل بين الجماهير على نحو لم تتمكن الأعمال الكلاسيكية الغربية من فعله قط. وفي الدول المتقدمة يشاهد الجميع تقريبا الأفلام ويتحدثون عنها بين حين وآخر. ومع توافر الأفلام في صور غير مكلفة، يرى أيضا العديد من أفراد الفئات المحرومة اقتصاديا الأفلام بكثرة. وفي نظر عدد لا يستهان به، تشكل الأفلام مركزا مرجعيا مشتركا حيث تحلل القيم والقضايا الأخلاقية والتساؤلات العامة والفلسفية. تجسد الأفلام ذلك كله بطريقة مميزة، فهي متاحة بسهولة، وغالبا ما تتمتع بجاذبية جمالية، فضلا عن كونها مسلية من نواح تجعلها مؤثرة من الناحية العاطفية والفكرية أو الذهنية (انظر كارول: 2004). والأفلام عموما ليست جامدة ولا صعبة الفهم كما هي الحال عادة مع النصوص الفلسفية أو الحجج الجدلية المنهجية. تحظى الأفلام بشعبية، وهي متاحة بسهولة ومنتشرة في كل مكان وجذابة على المستوى العاطفي.
غالبا ما توظف السينما أشكالا أخرى من الفن (مثل الموسيقى والفنون المرئية والأدب)، وقدرة تلك الأشكال على التأثير فينا جزء لا يتجزأ من قوة السينما . إلا أن قدرة السينما على التأثير فينا ودغدغة مشاعرنا ليست ببساطة حاصل تأثير مكوناتها الفنية؛ ففي النهاية يوجد فيض من الموسيقى والأدب والشعر والفنون المرئية التي تؤثر فينا تأثيرا مستقلا، يزيد عن تأثيرها حال تضمينها في الأفلام. ورغم ذلك تظل قدرة الفيلم الطويل على نقل الكثير من الأشياء لأعداد غفيرة في وقت قصير نسبيا (أقل من ساعتين عادة، وأقل من ثلاث ساعات في أغلب الأحوال) أحد أبرز سماتها. لكنها أيضا سمة أثارت قلق كثير من الفلاسفة والمنظرين السينمائيين. على سبيل المثال تخوف أدورنو وهوركهايمر (1990) من التأثير السلبي المحتمل للفن الجماهيري على جمهور منقاد ولا يتمتع بحس نقدي. (ولم لا ينطبق هذا الخوف أيضا على جمهور فعال وناقد؟ فهل يستطيع هذا الجمهور مقاومة سحر السينما؟) يزعم أن ألفريد هيتشكوك قال: «جميع الممثلين خراف.» ليس هذا ما قاله بالضبط إنما قال: «لم أقل قط إن الممثلين خراف، ما قلته هو أن جميع الممثلين ينبغي معاملتهم مثل الخراف.» ما قد يدفعنا للتساؤل عن رأيه في الجمهور.
من ناحية أخرى يتبنى فلاسفة آخرون، مثل والتر بينجامين، موقفا متفائلا حيال قدرة السينما على دعم الحرية السياسية والاجتماعية والفكر الإبداعي.
2
ناپیژندل شوی مخ