سینما او فلسفه
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
ژانرونه
يتمتع صانع الفيلم في فيلمه بتحكم في انتباه المشاهد (من خلال تنويع أطر الصور على سبيل المثال، وذلك باستخدام تقنيات مثل اختيار وضع الكاميرا الذي يسمح للمخرج بتركيز انتباه المشاهد) يفوق بمراحل ما يتيسر للمخرج المسرحي. والنتيجة أن مشاهد الفيلم ينظر دائما إلى حيث ينبغي له النظر، ودائما ما يولي اهتمامه إلى التفاصيل المطلوبة ملاحظتها؛ ومن ثم يستوعب، دون جهد تقريبا، الحدث الدائر أمامه، على النحو المقصود تماما ... الأفلام أسهل على المستوى الإدراكي. وقد يفسر عامل الوضوح الإدراكي الذي تتمتع به الأفلام أيضا ما تولده من انجذاب قوي واسع النطاق. (2004أ: 490)
تنطوي وجهة النظر السابقة على شيء من الصواب. لكن من غير المرجح على ما يبدو أن يقدم الوضوح الإدراكي الذي يحققه الفيلم، عبر أدوات معينة تركز انتباه المشاهدين، تفسيرا كاملا لقوة الأفلام مقارنة بالمسرحيات حتى وإن كان صحيحا أن تأثير الأفلام علينا يكون عادة أقوى من المسرحيات. ومن جديد لا ينبغي تجاهل التفسيرات الأكثر وضوحا. ربما كان موضوع معظم المسرحيات مقارنة بالأفلام أقل جذبا من نواح أخرى، وإن لم يقل وضوحا عنها. ربما لا يغازل المسرح المشاعر بقدر ما تفعل الأفلام. ربما يخلط كارول بين الفكرة القائلة بأن الأفلام «تفرض علينا تأثيرا أقوى» بفكرة أن الأفلام «تؤثر على أعداد أكبر منا على نحو أقوى». والفكرة الأخيرة لا تبعث على الدهشة بما أن جمهور المسرحيات يتضاءل مقارنة بجمهور الأفلام. وعموما قضاء أمسية مسرحية نشاط مكلف حقا بينما الأفلام رخيصة نسبيا (حتى وإن لم ينطبق ذلك على الفشار) ويمكن في كثير من الأحيان مشاهدتها مجانا. وأخيرا يجدر بنا ألا نسارع بقبول الزعم القائل بأن الأفلام قادرة على جذبنا على مستوى أعمق من المسرح باعتبار ذلك الزعم حقيقة جوهرية حول كل من المسرح والسينما؛ فالمسرح القوي يؤثر فينا تأثيرا عميقا دون شك. وربما كان تحقيق تأثير قوي في المسرح أصعب من تحقيقه في السينما، ويرجع ذلك جزئيا إلى الأسباب التي حددها كارول - توجيه انتباه المشاهدين مهمة أسهل على صناع الأفلام من المخرجين المسرحيين - لكن هذا لا يقدم بعد تفسيرا جيدا للتأثير الذي تفرضه الأفلام علينا؛ إنه يساعدنا على تفسير الجاذبية الواسعة التي تتمتع بها الأفلام (فهي رخيصة مقارنة بالمسرح، والأفلام المتوسطة الجودة أكثر جاذبية من المسرحيات المتوسطة الجودة)، لكن لا يزال علينا إيجاد تفسيرات أعمق وأكثر تكاملا لقوة الأفلام. وربما تشترك تلك التفسيرات في بعض عناصرها مع قوة الأشكال الفنية السردية الأخرى (وغير السردية بالتأكيد).
إن العامل الثاني الذي يقترحه كارول لتبرير قوة الأفلام - وهو التركيز الموجه لانتباه المشاهد - لا يكفي على ما يبدو لتفسير قوة السينما تفسيرا متكاملا حتى عند ضمه إلى عامل التجسيد التصويري. ما قد يحققه هذان العاملان في الواقع هو المساعدة في جذب المشاهدين والتأثير عليهم عاطفيا. فربما يساعدان على توليد التأثير العاطفي الذي تحدثه الأفلام لدى المشاهدين دون أن يشكلا فعليا السبل المباشرة لتوليد هذا التأثير. قد يوجد عدد كبير من العوامل الأخرى التي تساهم في انجذابنا العاطفي ناحية السينما، أو تمنعه، إلى حد أكبر بكثير من العوامل التي يقترحها كارول.
العامل الثالث الذي يتضمنه تفسير كارول يتعلق بدعم الجانب السردي للأفلام لسهولة استيعابها ومن ثم لقوتها. يقدم السرد تفسيرا للحدث، والجماهير مهتمة بطبيعتها بمعرفة تفسير الحدث. يقول كارول (2004أ: 493): «بقدر ما تصور قصص الأفلام أفعال الشخصيات بأساليب تعكس منطق الاستدلال العملي، تكون الأفلام مفهومة على نطاق واسع؛ نظرا لكون الاستدلال العملي شكلا عاما من أشكال اتخاذ القرار لدى البشر.» وفي إطار سهولة الفهم، يبرز جانب آخر مستقل نسبيا من السرد؛ الأفلام تصنع التشويق عبر خلق مواقف، أو طرح أسئلة، من خلال قصة ننتظر - نحن المشاهدين - في ترقب حلها أو تقديم إجابة لها. ويرى كارول (2004أ: 494) أن نموذج السؤال والإجابة هذا (الذي يطلق عليه النموذج التساؤلي) «أكثر أسلوب سردي مميز في الأفلام.» وقليل من ينكرون أن قصة مشوقة أو جذابة هي عنصر ضروري في تفسير قوة السينما.
لكن كارول يغفل هنا أيضا على ما يبدو دور النموذج التساؤلي في إثارة المشاعر لصالح دوره الإدراكي وقدرته على تحريك الحبكة عبر طرح المشكلات ثم معالجتها؛ ومن ثم إشباع فضولنا. وبينما تعمل الإثارة المرتبطة بحبكة جيدة على أسر انتباه الجمهور وقد تسهم في إحداث رد فعل عاطفي قوي، فإن حقيقة كونها تطرح أسئلة ثم تجيب عنها تجعلها مستقلة نسبيا عن تلك العوامل السردية التي تثير استجابات عاطفية قوية. تذكر أن كارول يسعى للإجابة عن سؤالين مترابطين، وهما: ما سر قوة الأفلام؟ وما السبب وراء كون تأثيرها واسع الانتشار؟ ربما لا يشكل الوضوح السردي سوى جزء من تفسير جاذبية السينما الواسعة النطاق، لكنه لا يصلح كتفسير لقوة السينما في حد ذاتها. وهو يساعد على تفسير الجاذبية السردية للأفلام - كيف تستحوذ على الجمهور - لكنه لا يعطي تفسيرا على الأرجح لما قد يبديه الجمهور من اهتمام كبير ب «جلسة الأسئلة والأجوبة» الخيالية التي يشاهدونها على الشاشة. إن قوة الأفلام تكمن غالبا في نوع من الارتباط العاطفي الذي لا تفسره جاذبية السرد المعرفية.
إن تقنيات السينما والحبكة وطبيعة التجسيد السينمائي كلها عناصر مهمة في تفسير قوة الأفلام، لكنها ليست بأي حال من الأحوال العناصر الوحيدة، بل وربما ليست العناصر الأهم في واقع الأمر؛ إذ تنحصر أهميتها في مقدار إسهامها في تفسير التأثير الذي يحدثه «بعض» الأفلام على «بعض» المشاهدين في «بعض» الأوقات. والعناصر الثلاثة التي يركز عليها كارول مهمة بقدر ما تساعد على التوحد مع الشخصيات، وتغذي الخيالات والأمنيات والرغبات (كالانتقام وغيره)، وشتى صور التحيزات والميول التلصصية الشبقية وغيرها من الميول التي قد تثار مؤقتا. عندما يصوب هاري كالاهان (المعروف بهاري القذر) مسدسه الضخم من طراز 44 ماجنم نحو المجرم في فيلم «تأثير مفاجئ» (صدن إيمباكت) (1983) قائلا: «هيا، أطلق مسدسك إن كنت تملك الجرأة» فإنه يقولها نيابة عنا جميعا؛ ومن ثم نشعر بالامتنان والرضا. في تلك اللحظة تسود العدالة، لا في الموقف الذي يمر به هاري فحسب بل في المواقف - ربما جميع المواقف - التي عانينا فيها من الظلم (سواء كان حقيقيا أو متخيلا) والتي قد نعانيها في المستقبل.
تكمن المشكلة في تركيز كارول على الجانب الإدراكي بدلا من الجانب العاطفي، ما يجعله يتوقف على بعد خطوة واحدة (حسب زعم البعض) من تقديم تفسير مقبول لقوة الأفلام. لكن كارول يختلف مع هذا الرأي (2004أ: 496) قائلا:
في سعينا هذا لتفسير قوة الأفلام اقتصر تناولنا على سمات الأفلام التي تخاطب الملكات «الإدراكية» لدى الجمهور. وهو موضوع يلعب دون شك دورا محوريا في هذا النقاش؛ لأننا لن نتمكن من تحديد السمات التي تفسر تأثير الأفلام واسع الانتشار والاستثنائي إلا إذا ركزنا على القدرات الإدراكية - لا سيما تلك المترسخة بعمق مثل التجسيد التصويري والمنطق العملي والدافع لإيجاد إجابات على أسئلتنا - بما أن القدرات الإدراكية، على المستوى الذي ناقشناه، هي المرشح الأكثر قبولا للعب دور العناصر المشتركة بين جموع جماهير الأفلام.
في الحقيقة، وجه كارول تركيزه في الاتجاه الخاطئ؛ فالملكات الإدراكية لدى الجمهور تقبع في جميع الحالات تقريبا تحت إمرة الطبائع الوجدانية للمشاهدين واحتياجاتها التي لا تنقطع.
مفارقة الخيال
ناپیژندل شوی مخ