سینما او فلسفه
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
ژانرونه
يمكن تقييم الآراء الفلسفية التي تقدمها الأفلام، أو التي يعتقد أن الأفلام تقدمها، تقييما مستقلا عن قصد المؤلف. بالطبع قد لا نكون على حق دوما في كل رأي ننسبه إلى فيلم ما، سواء كان حاضرا في الفيلم عن قصد أو دون قصد، وبما أن بعض الأفلام قد تكون غامضة أو غير واضحة أو مرتبكة حيال الآراء التي تقدمها، فلن يتاح لنا دائما إدراك ما إذا كان الفيلم يجسد موقفا ما أو يدافع عنه. وهو وضع ينطبق كذلك على الحجج الفلسفية في النصوص المكتوبة كذلك، ولا يوجد سبب يدفعنا إلى افتراض تمتع السينما بأفضلية طبيعية فيما يتعلق بعرض الآراء أو الحجج الفلسفية عرضا واضحا لا يشوبه الغموض.
إن الاكتفاء بتحديد قصد صناع الفيلم قد يكون مفيدا في عملية استخلاص رد فعل فلسفي على الفيلم، وقد لا يكون مفيدا. دون قدر كبير من الأدلة الداعمة قد يستحيل فعليا تحديد قصد المؤلف، أو تبرير عزو قصد المؤلف، حتى في الحالات التي نصيب فيها. وعلى أي حال، لا يحظى قصد المؤلف دائما، بل وربما لا يحظى حتى في معظم الأحوال، بأهمية خاصة، ما لم يكن المرء مهتما تحديدا بآراء صانع أفلام بعينه. على سبيل المثال، يبدو من المهم فهم نوايا صناع الأفلام المثيرين للجدل الذين يتعمدون اختيار موضوعات معينة مثل مايكل هانيكه. إلا أن نوايا هانيكه الكامنة في أفلام مثل «فيديو بيني» (بينيز فيديو) (1992) و«ألعاب مسلية» (فاني جايمز) (1997، 2007) و«الشريط الأبيض» (ذا وايت ريبون) (2009) لا تحدد الإمكانات الفلسفية لتلك الأفلام أو تحد منها. وما ينبغي أن يثير اهتماما فلسفيا في أفلام العدالة خارج نطاق القانون التي أشرنا إليها أعلاه ليس ما إذا كان صناع تلك الأفلام يؤمنون بمفهوم العدالة الذي يصورنه، بل ما إذا كانت الأفلام تقدم ما يدعم فعليا هذا المفهوم. وبالطبع إذا انتهينا إلى أنها لا تحقق ذلك، فسيصبح السؤال الأهم فيما يتعلق بالفلسفة والسينما يخص تلقي الجمهور لتلك الأفلام. كيف يستوعب الجمهور على المستوى المعرفي أن تلك الأفلام تحاول مثلا التأثير في غرائز الانتقام لديهم؟ ولماذا يستمدون هذا القدر الكبير من نوع ما من الإشباع من تلك الأفلام؟
يعلق ليفينجستون قائلا (2008: 4): «يمتلك وارتنبيرج من الحصافة ما يجعله يسلم بأن القول إن فيلما ما يتضمن معالجة فلسفية ليس سوى «تعبير مختزل يقصد به القول إن صناع الأفلام هم من يتناولون الفلسفة فعليا في السينما أو من خلالها».» إذا كانت الوساطة ضرورية لفعل أي شيء، وإذا لم يكن الفيلم وسيطا فبالتأكيد ليس في وسع السينما ممارسة الفلسفة، وإنما مسها مسا خفيفا وحسب. قد تبدو صحة الرأي الذي يطرحه ليفينجستون واضحة جلية، لكنها في الحقيقة ليست بهذا الجلاء؛ إذ يوجد شعور طبيعي أن الأفلام، مثلها مثل الأعمال الروائية إلى حد كبير، قد تتمتع بقدر ينسب إليها شيئا من الوساطة. في وسع الأفلام فعل أشياء لأن بمقدورها إحداث تأثيرات ذات معنى تتجاوز كثيرا نوايا صناعها. ومثلما يؤدي تطور الشخصيات في الأدب الروائي إلى عرض فروق دقيقة في وجهات النظر، وتوضيح عواقب غير مقصودة قد تضيف إلى جدل فلسفي، أو تعبر عن رأي ما، تستطيع الأفلام تحقيق ذلك، بل وربما تحققه بدرجة أكبر من الأدب الروائي، بصرف النظر عما إذا كان صناعها ينوون ذلك أو يتنبئون به؛ فجزء من مهام ممنتج الأفلام (محررها) هو استخلاص أو تسليط الضوء على القصة وتطور الحبكة والمعنى الحاضر أو الآخذ في التنامي داخل الفيلم. لكن الفيلم قد يفوق أو يقل عن مجموع أجزائه من منظور قيمته الجمالية الكلية ومعناه، سواء كان ذلك مقصودا أم لا. ومن الممكن غالبا تمييز قصد المؤلف عن الأشياء التي تصورها قصة الفيلم أو المؤثرات البصرية أو الأداء.
مثل الروايات، تتمتع الأفلام بحيوات ومعان خاصة بها تختلف مع مرور الزمن، وترتبط إلى حد ما باختلاف أنواع الجمهور. تلمح تلك الآراء إلى أن القول بأن الأفلام «تمارس الفلسفة» ليس مجرد تعبير مجازي؛ فالأفلام الجيدة غالبا ما تتخطى مجموع نوايا صناعها الإبداعية. علينا كذلك مراعاة أن نظرية السينما كثيرا ما تتشكك في نسبة الأفكار إلى المؤلف دائما؛ فالأفلام تعبر (أو ربما تعبر) عن أفكار خاصة بالمخرج، كما زعم المخرج الفرنسي تريفو (1954) عندما صاغ تعبير «سياسة المؤلف». لكن منظري السينما يشيرون إلى أن الفيلم، على عكس الرواية، هو مشروع تعاوني وحاصل جهود العديد من الأفراد لا جهود الكاتب/المخرج فحسب. وبقدر ما يجسد الفيلم مفهوم الفعالية التعاونية، ينبغي أن ينظر إليه كذلك باعتباره كيانا أكبر من مجموع أجزائه، بحيث لا يمكن أن نعزو نتائجه، بما فيها المعنى، كلية إلى المخرج أو الكاتب، أو حتى إلى حاصل جهود جميع من شاركوا في إنتاج الفيلم.
6
خاتمة
بالعودة إلى تفسير وارتنبيرج لفيلم «إشراقة أبدية لعقل نظيف»، نوجه اهتمامنا إلى مقترح ذكرناه آنفا يدفع بحتمية الاعتراف بالتفوق الفلسفي للسينما إن رغبنا في استيعاب العلاقة بين السينما والفلسفة وإدراكها حق الإدراك. ويجب على الفلسفة، على الأقل إلى حد ما ومن أوجه معينة، التطلع نحو السينما بدلا من توقع العكس.
يلفت وارتنبيرج (2007: 91) أنظارنا إلى «الفرق بين تفسيرين للأعمال الفنية؛ تفسير متمركز على صانع العمل، وتفسير متمركز على الجمهور»:
التفسيرات المتمركزة على صانع العمل الفني تطرح تأويلات ربما قصد الصانع طرحها عبر عمله. لكن ... هذا لا يعني حتمية إلمام الصانع إلماما مباشرا بالموقف الفلسفي الذي تدعي تلك التفسيرات أنه محور العمل، بل يشير فحسب إلى معقولية الاحتمال القائل بأن الصانع قد استجاب إلى مواقف أو أفكار متضمنة في ذلك العمل الفلسفي. وعلى الرغم من أن النصوص الفلسفية بمنزلة مصادر للكثير من الأفكار والنظريات والمواقف، فإنها تكتسب حياة خاصة بها داخل إطار ثقافة ما. وكل ما هو ضروري للتفسير المتمركز على صانع العمل كي يكون مقبولا في هذا السياق هو طرح احتمالية اطلاع الصانع على الأفكار والنظريات والمواقف الفلسفية بموجب وجوده العام ضمن إطار ثقافة ما مثلا. إن النفعية نظرية فلسفية اكتسبت تقديرا واسع النطاق داخل الثقافة الأمريكية بوجه عام، وشعار «أكبر نفعا لأكبر عدد من الناس» معروف لدى أعداد أكثر بكثير من أعداد من قرءوا النصوص التي انبثق منها؛ لذا يبدو معقولا في رأيي أن فيلما معاصرا ربما يستهدف تلك الرؤية.
يضفي وارتنبيرج (2007: 92) مزيدا من التأكيد على فكرته عبر الإشارة إلى «استدعاء الفيلم بوضوح لأفكار نيتشه»، إلى جانب حقيقة أن «النفعية كانت من بين ما استهدفه نقد نيتشه الفلسفي».
ناپیژندل شوی مخ