سینما او فلسفه
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
ژانرونه
وأخيرا يتناول الفصل الرابع عشر فكرة الصلاح. يستكشف العديد من الأفلام بالطبع فكرة صلاح الشخصيات، لكن الفيلم الذي نناقشه في هذا الفصل يتميز عبر طريقته الفطنة والمقنعة بتوضيح بهجة وجمال خلق هوية أخلاقية. الفيلم هو «الوعد» (لا بروميس) لصانعي الأفلام البلجيكيين جان بيير داردين ولوك داردين . ويجسد قصة فتى مراهق يقطع وعدا على نفسه، ويفي به. سوف نستخدم الفيلم في دراسة مزاعم نظرية الفضيلة. يزعم منظرو الفضيلة أن الفضائل تكمن في قلب الصلاح الأخلاقي ولا يمكن اختزالها في مجرد التصرف على نحو صائب أو جيد؛ فالفضائل أمر خاص وجوهري. يوضح فيلم «الوعد» هذه الخصوصية ونحن نستخدمه في مناقشة قضية نظرية الفضيلة.
الفصل الحادي عشر
«جرائم وجنح» وهشاشة الدافع الأخلاقي
مقدمة
تخيل معي أنك ارتكبت إثما فادحا نسبيا؛ وعليه، أصبحت واقعا في ورطة كبيرة؛ حياتك توشك على الانهيار من حولك، وكل ما تحتاج فعله كي تمنع حدوث هذا هو إجراء مكالمة هاتفية؛ مكالمة هاتفية إلى أخيك الذي سيتولى التعاقد مع شخص لارتكاب جريمة قتل نيابة عنك ستؤدي إلى تبديد متاعبك كافة. إنها مكالمة من الصعب إجراؤها، لكن من الصعب أيضا عدم إجرائها. ما الذي ينبغي عليك فعله؟ الإجابة بسيطة: عليك ألا تجري تلك المكالمة أبدا. عليك مواجهة عواقب سلوكك، وأن تدع حياتك تتخذ منحى سيئا، في بعض جوانبها على الأقل، نتيجة لما فعلته. سعادتك المستقبلية مهمة دون شك، لكن الأكثر أهمية هو ألا تصبح قاتلا. والأهم من ذلك ألا يقتل أحد لا لسبب سوى أن تصير أسعد حالا. من منظور أخلاقي، يبدو ذلك كله بديهيا تماما. وهو كذلك ملخص الحبكة الرئيسية لفيلم وودي ألن «جرائم وجنح» (1989).
ما يثير الاهتمام في هذا الفيلم ليس معضلة أخلاقية ما تواجهها الشخصية الرئيسية، شخصية جودا روزينثال؛ فهو لا يواجه معضلة أخلاقية؛ المعضلة الأخلاقية موقف لا يتضح فيه على الإطلاق، من منظور أخلاقي، ما يفترض بالمرء فعله. وجودا لا يواجه هذا النوع من المواقف. هو واقع في مأزق، لكنه ليس مأزقا أخلاقيا. لقد كان على علاقة غرامية مع امرأة تدعى ديلوريز طوال بضع سنوات ويرغب في إنهاء تلك العلاقة، لكن ديلوريز لها رأي مختلف، فهي تعتقد أنه قد وعد بترك زوجته، ماريام ، لأجلها. ودليلها على ذلك هزيل فيما يبدو؛ فقد أشار جودا ضمنيا في مناسبة واحدة على الأقل، نراها بتقنية الارتجاع الفني ، إلى استمرار علاقتهما في المستقبل، لكنه ينكر أنه وعدها قط بترك ماريام. وبدافع من اليأس، ترغب ديلوريز في مناقشة الوضع مع ماريام، وتهدد جودا بفضح خيانته وتعاملاته التجارية المشبوهة إذا لم تتحقق رغبتها. (على ما يبدو كان جودا يقترض أموالا من الحسابات الخيرية التي يديرها. ورغم زعمه تسديد تلك الأموال كافة، تظل التعاملات غير قانونية على الأرجح.)
تهدد ديلوريز بتحطيم حياة جودا كليا. هو على يقين من أن ماريام ستسامحه على خيانته، لكن سمعته كرجل مستقيم وخير ستدمر نتيجة ما ستكشفه ديلوريز عن تعاملاته التجارية. ستنحدر حياته إلى نقطة الحضيض، على حد تعبيره. يلجأ جودا إلى أخيه الذي يعرض سبيلا للخروج من مأزقه وهو تأجير قاتل للتخلص من ديلوريز. ويقبل جودا عرضه بعد قليل من الممانعة والمعاناة (الزائفة على الأرجح). وعندما تتم عملية القتل، يعاني من وخز الضمير. (أو هل هذا خوف من أن يلقى القبض عليه ويعاقب، إما على يد الشرطة أو بتدخل إلهي؟ الندم شعور مختلف عن الخوف من العقاب.)
1
وفي نهاية المطاف، عندما يتأقلم مع فعلته ويدرك أنه قد أفلت بجريمته دون عقاب، تخبو وخزات ضميره ويعود إلى حياته السعيدة المرفهة الموسرة كأن لم يحدث شيء تقريبا.
أحد الجوانب المثيرة للاهتمام فلسفيا في هذا الفيلم هو تحديه لدوافع عيش حياة أخلاقية. هذا الجانب ليس الوحيد في الفيلم الذي يثير الاهتمام الفلسفي؛ فالفيلم صريح في توجهه الفلسفي، وتتخلله تأملات ومجادلات فلسفية.
ناپیژندل شوی مخ