سینما او فلسفه
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
ژانرونه
هل في وسع الأفلام تقديم إسهامات بارزة وإبداعية ومستقلة إلى الفلسفة باستخدام وسائل يتفرد بها الوسيط السينمائي (مثل المونتاج والعلاقات بين الصوت والصورة)، وهي إسهامات مستقلة من حيث كونها متأصلة في طبيعة السينما وليست قائمة على التعبير الفلسفي اللفظي، مثل التعليقات أو الشروح؟ تنغمس الأفلام بالفعل في تفكير فلسفي إبداعي وفي بنية المفاهيم الفلسفية الجديدة، حسب الزعم الذي كثيرا ما يتكرر في الأدبيات الضخمة المستوحاة من كتابات جيل دولوز التأملية عن السينما.
تزعم الفرضية الجريئة أن مساهمة السينما في الفلسفة، إن كانت حقيقية، فهي قطعا مساهمة لا تقبل الاختزال أو الاستبدال بأي شكل آخر من أشكال التواصل. إنها بالفعل فرضية قوية، لكن ما الذي يدفعنا إلى الاعتقاد بأن «القيمة» الفلسفية للسينما يحددها تفرد السينما الفلسفي؟ ليفينجستون نفسه ليس من أنصار الفرضية الجريئة؛ إذ يقول (ليفينجستون 2008: 12):
يجب علينا التخلي عن الفرضية الجريئة التي ترى السينما نوعا من الفلسفة، والتحول إلى فرضيات أكثر اعتدالا وقابلية للتطبيق. بعض الأفلام الروائية يصنعها مؤلف يستخدم الوسيط السينمائي، بالاشتراك مع الوسائل اللغوية، للتعبير عن منظور قائم على معرفة فلسفية. والبعض الآخر لا يصنع بهذه الطريقة لكن يمكن رغم ذلك استخدامه لتوضيح أراء مألوفة لكنها ذات قيمة حول الحكمة العملية، والشكوكية وغيرها من الموضوعات. يفتح كلا النوعين من الأفلام سبيلا إلى مواقف وحجج فلسفية، وقد يوفران حافزا لا يستهان به على التفكير الفلسفي الإبداعي ...
يستطرد ليفينجستون معدلا هذه «الفرضيات الأكثر اعتدالا وقابلية للتطبيق» على نحو كاشف، فيقول (2008: 12): «هذا يحدث ما دمنا نتذكر أن طرح تصنيفات وحجج معقدة سيتطلب تعبيرا لفظيا لا يوفره العرض السينمائي في حد ذاته؛ فوصف الحبكة، مهما كان بارعا، ليس بديلا لها.»
يقترح ليفينجستون على ما يبدو أننا إذا أردنا ممارسة الفلسفة على أصولها، بما تتطلبه من تصنيفات وحجج معقدة، فسوف نحتاج إلى الانكباب على العمل من أجل صياغة بينة؛ أي لفظية، لحجة فلسفية. بلا شك تتطلب أنواع محددة من الحجج الفلسفية ذلك تحديدا. ونحن نعلم أن السينما ليست بديلا عن أساليب مفيدة ومحددة للممارسة الفلسفية. لماذا إذن يزعم أحدهم أنها كذلك؟ لماذا قد يرغب في جعلها كذلك؟ إن زعم ليفينجستون أدنى بكثير من هذا المستوى، بل هو يلمح، بشكل أو بآخر، إلى أن السينما تخدم الفلسفة؛ إذ تقدم السينما (في بعض الأحيان) القوة الدافعة للتفلسف. إنها إحدى سبل التأمل الفلسفي. وعلى النقيض من الفرضية الجريئة، دعونا نقترح «فرضية البطلان». وفقا لهذه الفرضية ليس للسينما أي دور على الإطلاق في التأملات الفلسفية، بل إن دورها الوحيد هو تقديم قوة دافعة، أو مادة صالحة، للعمل الفلسفي الذي ينجز كليا في إطار لغوي عبر نصوص شفهية ومكتوبة. والأفلام نفسها لا تطرح نقاطا فلسفية (إلا عندما تجعل شخصياتها تعبر لفظيا عن نقاط فلسفية). ولكي تطرح الأفلام نقاطا فلسفية لا بد أن تخضع للشرح والتفسير ثم تدمج في حجة فلسفية تتطور في مسارها المعتاد. تلك هي فرضية البطلان، وهي بالأحرى استنتاج متحفظ ومحبط. أتوجد خيارات أكثر طموحا تناسب من يحترزون من الفرضية الجريئة؟
من بين الشخصيات البارزة التي ترفض ما أطلقنا عليه فرضية البطلان ستيفن مولهال (2002: 2):
أنا لا أعتبر تلك الأفلام أمثلة توضيحية رائجة، وفي المتناول، للآراء والحجج التي يطورها الفلاسفة على نحو سليم، بل أرى أنها ذاتها تتأمل تلك الآراء والحجج، وتقيمها، وتفكر فيها جديا وعلى نحو منهجي، بالطرق نفسها التي يستخدمها الفلاسفة. تلك الأفلام ليست مادة خاما للفلسفة، ولا مصدرا لتنميق الفلسفة، بل هي تمرينات فلسفية؛ ممارسة عملية للفلسفة أو ما يمكن أن نسميه تفلسفا سينمائيا.
للوهلة الأولى، نلمح أمرا محيرا بعض الشيء في الفقرة السابقة. ماذا يعني مولهال بعبارة: «بالطرق نفسها»؟ يمكن أن تصبح الأفلام ممارسة عملية للفلسفة، وأن تصبح فلسفية مثل النصوص (وأكثر من النصوص في بعض الأحيان) دون أن تتبع «الطرق نفسها التي يستخدمها الفلاسفة». إذا اتبعنا المعنى الحرفي لكلام مولهال، فسنجد أن إصراره على التكافؤ يعني، من المنظور المنهجي، أنه لا يوجد حقا داخل السينما فئة منفصلة للأفلام الفلسفية، بل الأمر ببساطة مجرد تأملات فلسفية عبر وسيط ما بنفس الطرق التي تتم بها عبر وسيط آخر. وهذا ينفي ضمنيا وجود أي قيمة في ممارسة السينما للفلسفة، وهو ما يحمل نوعا من المفارقة. بالطبع يمكن تفسير كلمات مولهال تفسيرا أقل قسوة من هذا . تزعم الفقرة السابقة بالأساس أن كلا من الممارسة الشفهية للفلسفة والممارسة السينمائية لها طريقتان للتفكير جديا ومنهجيا في الآراء والحجج. دعونا نطلق على ذلك «الفرضية المعتدلة». في حين تزعم الفرضية الجريئة أن التمثيل السينمائي للفلسفة فريد من نوعه، ولا يمكن اختزاله إلى أشكال أخرى من الممارسات الفلسفية. وتزعم فرضية البطلان، على وجه التحديد، أنه لا يوجد ما يدعى التمثيل السينمائي للفلسفة. تزعم الفرضية المعتدلة أن التمثيل السينمائي للفلسفة موجود، وأنه بالفعل تمثيل للفلسفة. رغم ذلك تنكر الفرضية المعتدلة تفرد الفلسفة السينمائية. والتمثيل السينمائي للفلسفة ليس عصيا على الترجمة إلى أشكال فلسفية لفظية؛ إذ يمكن إعادة التعبير عن الفلسفة لفظيا دون خسارة، على الأقل من حيث المبدأ. إن ممارسة الفلسفة سينمائيا لا تتطلب اتباع نفس طريقة ممارستها لفظيا (وهو ما لا يحدث عادة)؛ لكن هذا لا يدفعنا بالضرورة لاستنتاج أن ممارسة الفلسفة سينمائيا تمنحنا مدخلا إلى معارف وحقائق فلسفية يستعصي على الفلاسفة، الذين يمارسون الفلسفة بطرق غير سينمائية، الوصول إليها (وهو استنتاج يعتبر إعادة صياغة للفرضية الجريئة). تقع الفرضية المعتدلة في مكان ما بين الفرضية الجريئة وفرضية البطلان.
قد يثبت في النهاية خطأ الفرضية الجريئة دون جعل السؤال حول العلاقة بين الفلسفة والسينما مملا أو بلا جدوى. وفي نظر الكثير تعتبر الفرضية الجريئة أجرأ من اللازم. وعلى الجانب الآخر، تبدو الفرضية المعتدلة معتدلة أكثر من اللازم؛ فقد تثبت صحتها دون طرح أي أفكار مثيرة للاهتمام فعليا عن العلاقة بين السينما والفلسفة. هل يوجد شيء ذو قيمة فلسفية خاصة يمكن قوله عن ممارسة الفلسفة عبر السينما؟ يقترح إيرفينج سينجر أن الأمر يتعلق بالسمات الفنية للأفلام في حد ذاتها، فكتب قائلا (2007: 3): «بعيدا عن أي جهود مؤسفة لاستنساخ ما يفعله الفلاسفة المخضرمون، فإن الأفلام التي نعتبرها عظيمة هي أفلام فلسفية بقدر ما يستغل المعنى الذي تجسده والتقنيات التي تنقل هذا النوع من المعنى الأبعاد الصوتية والأدبية والبصرية لنوعه الفني استغلالا عميقا ومؤثرا.»
4
ناپیژندل شوی مخ