وكان دياب تواقا أن يتحدث إلى أبيه أو يتحدث أبوه إليه. فما أن وجد أباه فتح حديثا حتى سارع يستحثه أن يتكلم. قال أبوه: ألم يقل لك أبي؟ - ربما قال، ولكني أحب أن أسمع منك. - كان ابنه نديم زميلي في المدرسة، وكان الباشا يحبني مثل ابنه، لأنه كان يستبشر بي. فقد كنت على مائدته يوم استدعي ليكون وزيرا. وبعد ذلك دعانا أنا وأبي إلى بيته، ودعاه أبي إلى بيتنا في البلد، وأقام له حفلة ما زالت بلدنا والبلاد المجاورة تتحدث عنها حتى اليوم. - أيكون فكري هذا ابن نديم صديقك؟ - لا بد أن يكون كذلك. - ماذا يعمل نديم؟ - في المحاماة وقد أصبح اليوم من أكبر المحامين في مصر. - إنه هو لا شك. - إن للزمن تصاريف عجيبة. - إنه شاب مهذب جدا، وقد تعلم في المدارس الفرنسية. - لقد حضرت فرح أبيه، وكان بعد ميلادك بفترة قصيرة جدا، أنا لا أنسى ذلك اليوم، إنما أعتقد أنه أصغر منك بسنتين على الأقل.
وهنا تدخلت نازلي: طبعا فإن دياب لم ينتظم في المدارس إلا بعد أبناء سنه بسنتين تقريبا وربما أكثر، فأنت تعلم أنني كنت حريصة أن يتعلم في البيت، وربما تكون هذه الدراسة هي التي جعلته دائما متفوقا على زملائه.
وقال مراد: لك حق هذا صحيح. قل لي يا دياب هل تقدر أن تأتي لي من زميلك بتليفون أبيه. - أقدر جدا. - والله زمان. •••
أدار دياب قرص التليفون وأجابه صوت وقور: ألو. - لو عرفتني تكون فعلا أكبر محامي في مصر. - تحدث قليلا. - وفيم تريد الحديث؟ - في أي شيء يعجبك. - تريد أن تستجوبني كما تستجوب الشهود في المحكمة، ولكني لن أمكنك من هذا. - أهذا معقول؟! بعد كل هذه السنين. مراد أيها الرجل الناقص. - أنعم وأكرم. أنت نديم بذكائك الشديد لم ينقص بل زاد. - أين أنت؟ لا تقل أنت مشغول في أشياء كثيرة فأخبارك تصل إلي أولا فأولا. - الكلام في التليفون لا ينفع، تتغدى أو تتعشى معي أو عندي لا يهم. - إذن، نتعشى عندي يوم الاثنين القادم. - وهو كذلك. - أنت ونازلي هانم ودياب. - طبعا، فإن دياب هو السبب في تجديد الصلات فهو كما تعرف. - نعم عرفت من فكري أنهما زميلان في الكلية. - يوم الاثنين إذن. - يوم الاثنين إن شاء الله في الثامنة والنصف، وأيضا لترى دينا أخت فكري. - بسم الله ما شاء الله ودينا أيضا. - نعم وهي طالبة في الجامعة الأمريكية. - اللهم وفقها يا رب. - أنا منتظركم. - إن شاء الله.
وهكذا عادت الصداقة القديمة إلى مجراها. ولم يعد هناك حرج على دياب أن يصادق أبناء الوزراء السابقين الذين حاربتهم الثورة بكل سلاح.
فالعهد الجديد لم يكن جبارا فاتكا كسابقه.
وتعرف دياب على السيدة إلهام وجدي زوجة نديم وأم ولده وابنة عمه، ولم يكن رآها إلا في يوم الفرح. كما تعرف بابنته دينا فتاة جميلة واضحة الذكاء مع خفة روح لا تخفى.
وكانت السنون قد أعملت يدها في الصديقين والزوجتين، ولكن السمات الأساسية لم تتغير. فمهما تصنع التجاعيد فإنها لا تستطيع أن تمحو ما يعرفه الصديق عن صديقه من الملامح والطريقة التي يتحدث بها كل منهما.
وإن كانت الموضوعات قد تغيرت اليوم عن الأمس البعيد، وتعرفت نازلي على إلهام. وتقاربت بينهما الأفكار، وعرفت كل منهما أن ثقافة الأخرى فرنسية. فالموضوعات بينهما موصولة لا فارق ثمة بين ابنة العمدة السابق، وابنة المستشار السابق أيضا.
فكل المناصب بالنسبة للآباء من الزوجين ومن الزوجتين مناصب سابقة، وقد جاوز أربعتهم سنوات الشباب والكهولة واقتربوا جميعا من الشيخوخة ولم يبق من شبابهم إلا الآمال المعلقة بأولادهم الجالسين معهم يشاركون في الحديث بمنطق مختلف كل الاختلاف عن الوالدين والأمين جميعا.
ناپیژندل شوی مخ