ولكن أي شيء يمنعه أن يتقاضى الرشاوى، ويزيد أمواله ويجعلها قناطير مقنطرة. فهو من غياب ضميره في سعادة نفسية ومالية لا يبلغها أي إنسان من الذين يخافون الله، أو أولئك الذين وهب الله لهم إنارة من ضمير.
وكان دياب الصغير في أول عهد أبيه بهذه الفتوحات المشهودة يغمغم الكلمات ولكنه مع مرور السنوات أصبح ينطقها.
ولم يكن لدى مراد أي فراغ لينظر إلى مستقبل ولده، وترك هذا الأمر بكليته لزوجه نازلي، واستأجر شقة أنيقة بالقاهرة، فقد كانت أعماله تقتضي منه أن يقيم بالقاهرة، أياما كثيرة، فإن الاتفاق وحده الذي تم بينه وبين سعيد كان يحتم بقاءه بالقاهرة فترات طويلة قد تستغرق أسبوعا أو أسابيع في بعض الأحيان. فكيف إذا أضيفت إليه الأعمال التي كان يتوسط فيها لذوي الحاجات. كما أن هيئة التحرير في القاهرة غيرها في أي محافظة من المحافظات؛ فهي في القاهرة تساعد أفرادها على أن يكونوا ذوي جاه عريض في الوزارات والمصالح.
وهكذا استأجر شقة أنيقة بحي المنيل، واستجلب إليها من البلد فتوح سيد أحمد ليكون طاهيا وخادما في وقت معا، وليحرس الشقة أثناء غيابه عنها.
وهكذا كانت نازلي هي وحدها، بعون ضئيل من حميها الحاج دياب، مسئولة عن ابنها دياب، وقد حرصت على أن تجعله ينتظم في الدراسة المنزلية منذ سن باكرة فقد ضنت به أن ينتظم في المدرسة، فأقامت له مدرسة خاصة كاملة في البيت، وقد بدأت معه بأن استجلبت له الشيخ عبد المعطي الدروي ليعلمه القرآن، فحفظ بعض سوره، ثم انتقلت به إلى التعليم المدني، وراحت تستدعي المدرسين إلى البيت حتى لا يذهب دياب الصغير إلى المدرسة.
وحين دخل دياب إلى المدرسة الابتدائية كان متفوقا على زملائه بما حصل من التعليم المنزلي.
ومضت السنون.
وكان من الطبيعي أن يكون لسعيد شأن أي شأن في أن يكون مراد مرشح السلطة في الدائرة.
وحين ذهب مراد إلى سعيد في شأن الانتخابات لم يكن طبعا محتاجا أن يسأله عن عنوانه الجديد. فقد كان بحكم الاتفاق الذي تم بينهما كثير الذهاب إليه. وإن كانت نوعا من الكثرة التي لا تلفت الأنظار، الأمر الذي كان يراعيه الطرفان معا كل الرعاية.
كان سعيد وأخته قد انتقلا إلى شقة فاخرة في جاردن سيتي في عمارة من العمارات التي استولت عليها الحكومة في شارع النباتات. وكانت الشقة مكونة من سبع غرف وبهو طويل مترامي الأطراف. وطبعا لم يكن الذي يفتح الباب محبوبة أخت سعيد، وإنما كان واحدا من الخدم الثلاثة الذين يعملون في بيت سعيد. ولكن هذا لم يمنع أن يرى مراد محبوبة في أغلب المرات التي يزور فيها شريكه سعيد. وطبعا لم تستطع الثروة أو الجاه أن يغيرا شيئا من وجهها وطبيعة خلقها، وإن كان قوامها قد امتلأ بعض الشيء امتلاء لا يصل لحد السمنة، ولم تكن الملابس غالية الثمن التي تفقد الذوق بمطيقة وحدها أن تغير من شخصية محبوبة، ولكن الذي لا شك فيه أن بلغت من السنين عددا يجعلها قريبة كل القرب من أن تكون عانسا.
ناپیژندل شوی مخ