Silsilat Al-Adab - Al-Munjid
سلسلة الآداب - المنجد
ژانرونه
الوصية بالسماح للجار بالاستفادة من جاره
إن بين الجيران مرافق مشتركة كالجدران والأسوار ونحوها، وربما احتاج الجار أن يضع خشبة على الجدار المشترك، أو على جدار الجار ليستفيد منه، وقد يمنعه، ويقول: هذا حائطي -مثلًا- ونحو ذلك، فقال ﵊: (لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره) ثم يقول أبو هريرة: [مالي أراكم عنها معرضين؟! والله لأرمين بها بين أكتافكم] متفق عليه.
فقوله: (لا يمنع) نهي أن يمنع جاره أن يغرز ولو كان في ملكه، وقوله: (أن يغرز خشبة في جداره) يعود على جدار المانع الذي يمنع، فإذا كان المقصود جداره هو فهذا لا يحتاج إلى وصية، لكن قال: (لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره) أي: جدار الجار الآخر؛ لأن ذلك شيء يسير، وينبغي أن يتسامح به ويتساهل فيه، ثم قال أبو هريرة ﵁ راوي الحديث: [مالي أراكم عنها] أي: عن هذه الخصلة من السماح للجار أن يغرز خشبة عندك [مالي أراكم عنها معرضين؟!] هل استغربتم الكلام، أو أعرضتم عنه بقلوبكم، أو نفرتم منه، أو لا تفعلونه في الواقع؟ [والله لأرمين بها]، أي: بهذه السنة التي جاءت في الحديث [بين أكتافكم]، أي: سأبلغكم إياها، وألقيها على مسامعكم، وأوجعكم تقريعًا مما فيها، كما يضرب الإنسان الآخر ويرميه بالشيء بين كتفيه.
والرسول ﷺ لما أوصى بهذه الوصية أراد أن يكون هناك اشتراك في المرافق، أو الشيء الذي بينك وبينه لا تمنعه الاستفادة منه، إذا أراد أن يضرب مسمارًا، أو يشد حبلًا مثلًا، أو يضع جزءًا من خشب أو ساتر، ونحو ذلك من هذه الأشياء المفيدة التي تفيده ولا تضرك، فلا تمنعه من الارتفاق بها والاستفادة منها.
وهذا الحديث يمكن أن يفهم منه الوجوب، ولذلك اختلف العلماء في حكم تمكين الجار من وضع الخشب على جدار جاره، هل يجب أن يمكنه، ويأثم إذا منعه؟ قال بذلك بعض العلماء، وهما قولان للشافعي، والإيجاب قال به أحمد وأبو ثور رحمهما الله من أصحاب الحديث، وهو ظاهر الحديث، والمعظم للسنة يقتضي أن يأخذ بهذا، وكلام أبي هريرة: [ما لي أراكم عنها معرضين؟!] ربما يدل على شيء من هذا، وكأن أبا هريرة لاحظ أنهم استغربوا الكلام، أو أنهم توقفوا عن العمل مثلًا، فقال: [مالي أراكم عنها معرضين؟!] أي: لا تريدون هذا.
4 / 8