وتلك قصة تدل على أن الأخفش هو الراوي الوحيد لكتاب سيبويه، ويفهم منها أن كثيرا من الناس كان يعلم بتأليف سيبويه للكتاب، بل أرجح أن بعض أجزاء الكتاب كان معروفا للجمهور، وكذلك بعض ما استشهد به سيبويه من الشعر، بدليل ما ذكرناه من أن الأصمعي وجه هذا الشعر توجيها غير توجيه سيبويه، واضطر سيبويه إلى مناظرته كما ذكرنا. وإذا فالذي كان مجهولا هو الكتاب كاملا، أما بعضه فكان معروفا عند الجمهور، ولو أن أمر الكتاب كان مجهولا بالكلية، ولم يكن يعلم أحد أن سيبويه قد ألف كتابا لكان من الميسور الشك في نسبته إلى مؤلفه من ناحية، وهو ما لم يروه مؤرخ، بل الإجماع منعقد على أن هذا الكتاب لسيبويه.
غير أن عدم ظهور الكتاب كاملا طول حياة المؤلف يجعل من حقنا أن نستنبط منه أن سيبويه ظل إلى آخر أيام حياته يراجع مؤلفه، يزيد فيه وينقص، ويقدم ويؤخر، غير راض أن يظهره للجمهور إلا بعد أن يكون قد رضي هو نفسه عنه، فعاجلته المنية قبل أن يوفي على هذه الغاية، ويؤيد هذا الاستنباط أيضا أن الكتاب خال من مقدمة يضعها المؤلف في رأس كتابه، ليقدم بها الكتاب للجمهور، ويذكر فيها غرضه وخطته، وخال من خاتمة تنبئ بانتهاء المؤلف من فكرته، بل إن المؤلف لم يضع لكتابه اسما يميزه كما هو المألوف، مما يدل على أن سيبويه قد مات من غير أن يضع الكتاب في ثوبه النهائي .
والذي يلوح لي أن سيبويه قد استغرق في تأليف كتابه وقتا طويلا، وأنه قد بدأه في وقت مبكر، فكان يقيد ما يسمعه من أساتذته وما يراه فيما ألف قبله من الكتب، ويجمع المتفرق، ويؤلف من المتناثر مجموعا كاملا، وربما كان يعرض ما يكتبه على الأخفش الذي كان تلميذه، وفي الوقت نفسه أخذ النحو عمن أخذ سيبويه عنهم، وهنا نستبعد على رجل مثل الأخفش في علمه، وفي ثقة أستاذه أن ينسب الكتاب إلى نفسه، ولكنه وهم سبق إلى الجرمي والمازني.
ويظهر لي أن الكتاب قد ظهر للجمهور بعد موت سيبويه بقليل، فإن يونس بن حبيب قد راجع الكتاب، وأقر بصدق ما رواه سيبويه عنه، كما سبق أن ذكرنا، ويونس قد مات بعد عامين من وفاة تلميذه، كما أن الكسائي الذي توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة قرأ الكتاب على الأخفش سرا، كما روى الأخفش.
هذا ويروي الأستاذ
Huart
أن الأخفش قد عارض أستاذه في بعض آرائه، ولكني لم أعثر فيما بين يدي من كتب على هذه الاعتراضات. (3) خطة المؤلف
لكتاب سيبويه وحدة وغرض معين؛ لأن موضوعه جمع القواعد النحوية والصرفية، وهنا يحسن أن نشير إلى أن كتاب سيبويه لا يقتصر على ذكر قواعد النحو فحسب، بل شمل قواعد الصرف أيضا، ففيه أبواب لأوزان الكلمة وأنواع الاشتقاق المختلفة، والتثنية، والجمع، والإعلال، والإبدال، والتصغير، والنسب، وغير ذلك من أبواب التصريف.
والكتاب مقسم إلى أبواب تبلغ زهاء ستمائة، كل باب منها يعالج ناحية من نواحي القواعد، وليس في الكتاب مقدمة كما ذكرنا، بل أوله في صميم الموضوع؛ إذ يتحدث عن أقسام الكلمة، فيقول: «هذا باب علم ما الكلم من العربية». والكتاب جزءان: يحتوي الجزء الأول منهما على الكلم وأقسامه، والفاعل، والمفعول، وما يعمل عمل الفعل، وإعمال المصدر، واسم الفاعل، والصفة المشبهة، والحال، والظرف، والجر، والتوابع، والمعرفة والنكرة، والمبتدأ والخبر، والأسماء التي بمنزلة الفعل، والأحرف المشبهة به، والنداء، والترخيم، والنفي بلا، والاستثناء، وباب لكل من أحرف الجر. وفي الجزء الثاني ما ينصرف وما لا ينصرف، والنسب، والتصغير ، والمقصور والممدود، والجمع، والوقف، والإعلال، والإبدال، ووزن الكلمات، ولكن ترتيب الكتاب يخالف النهج الذي نتبعه ويتبعه المؤلفون المتأخرون فيما يأتي:
أولا:
ناپیژندل شوی مخ