کمونیزم او انسانیت په اسلامي شریعت کې
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
ژانرونه
قبل منتصف القرن الماضي نشر «كارل ماركس» مذهبه الفلسفي الذي سماه بالتفسير المادي للتاريخ، وبنى عليه مذهبه الاقتصادي الذي سماه «الاشتراكية العلمية» تمييزا له من المذاهب الاشتراكية السابقة، وهي عنده اشتراكيات أحلام أو اشتراكيات «طوبى» لا تقوم على غير الأمل والخيال.
ولم تكن هذه «الاشتراكية العلمية» أقل نبوءات من المذاهب التي كان ينعى عليها أنها تجافي العلم وتنتكب طريق الواقع؛ لأن الاشتراكية العلمية التي آمن بها «كارل ماركس» قد تطوحت في نبوءات لا تنتهي إلى آخر الزمان، وادعت لنفسها أنها تفسر أسرار الكون وأسرار المادة في جميع ظواهرها، وأنها ترسم للتاريخ المقبل خطاه التي لا يحيد عنها ولا يزال مطردا عليها إلى غير نهاية، وهي نهاية أبعد في مجاهل الغيب من النهايات التي قدرتها الأديان الغابرة ببضعة آلاف من السنين؛ لأنها توغل في الآباد المقبلة إلى ملايين السنين، وتدعي باسم العلم - لا باسم الخرافة - أن الغيب المجهول لن يأتي بشيء في حياة الإنسان غير الذي رسمه «كارل ماركس» وفرغ منه قبل منتصف القرن التاسع عشر، وقبل أن يتقدم العلم نفسه وراء خطواته الأولى في العصر الحديث.
ولم تكن المسألة عند «كارل ماركس» مسألة تقديرات نظرية لا يترتب عليها شيء من العواقب غير تبديل نظرية بأخرى أو تنقيحها برأي يخالفها، ولكنها كانت مسألة أرواح ودماء وشعوب وأنظمة واجتراء على الماضي كله بالهدم والانتفاض، إيمانا بتلك النظرية التي لا تقبل الشك، ولا يستكثر على تحقيقها إهدار الدماء كالأنهار ولا تقويض المعالم الباقية كأنها من جهود عدو للإنسان، وليست من جهود الإنسان في جميع الأزمان.
وكان ينبغي للإيمان بتلك النظرية أن تقوم على أسس واضحة مقررة ثبتت في عقل صاحبها وفي سائر العقول ثبوتا لا شبهة عليه ولا مثنوية فيه، ولكنها في الواقع لم تثبت في ذهنه بتفصيلاتها ولم يفرغ من دراستها في حينها، وأرجأ التوسع في شرحها إلى الجزء الأخير من كتابه، ثم مات قبل أن يفرغ من ذلك الكتاب.
وعد «كارل ماركس» بإشباع القول في مسألة الطبقات، ومسألة القيمة «الفائضة» من كسب العمل، ومسألة التطور بين عصر الانتقال، وعصر المجتمع ذي الطبقة الواحدة، وكل هذه المسائل من صميم القواعد التي يقوم عليها مذهبه العلمي كما يسميه، ولكنه مات ولما يبين للناس حقيقة الطبقة الاجتماعية، ولا معنى القيمة الفائضة، ولا نظام الحكم بعد انتقاله إلى أيدي الطبقة العاملة، ولا الوسيلة التي يتم بها هذا الانتقال.
وعلى ضخامة الدعوى التي يدعيها «كارل ماركس» في نبوءاته الأبدية، تكشفت الحقائق في حياته، فإذا هي تنقض تلك النبوءات، وتدل على نقيض البقية الباقية منها، فلم يلتفت «كارل ماركس» إلى هذه النقائض البينة، أو التفت إليها ليقذفها ببعض اللعنات - غير العلمية - التي تعود أن يقذف بها كل ما يخالف تقديره وكل من يخالفه ، ومنها الرجعية والعامية والعقلية السطحية وخدمة رأس المال وخداع السواد والتعلق بالأوهام، وأشباه هذه المثالب والوصمات. •••
ولم تمض سنوات على وفاته حتى تعاظمت هذه النقائض على أتباعه، ووجدوا أنفسهم أمام تلك الضرورة التي تركها «كارل ماركس» في أوائلها، واستطاع أن يتجاهلها ويروغ من طريقها؛ لأنها لم تتعاظم في زمنه حتى تأخذ عليه جميع المنافذ والفجاج، فتذرع أتباعه بكل ذريعة غير الذرائع العلمية في تمحيص نبوءاته وتقديراته، وضعوا في أذهانهم أن «كارل ماركس» ينبغي أن يكون على صواب بأي حال، وأنه إذا تعذر إثبات صوابه بالمعنى الظاهر وجب التماس المعنى الذي يجعله مصيبا على وجه من الوجوه، وأنه إذا تعذر الفهم الصريح والتأويل الخفي معا وجب أن يبقى «منقحا»، ولو زال كل أثر من آثار الفكرة ولم يبق منها إلا التنقيح المزعوم، وخيل إلى الناس أنهم أمام طائفة من الدراويش يتبركون بخرقة من دثار ضريح مهجور، ويعنيهم أن يحتفظوا بخيط من تلك الخرقة كيفما كان، ولا يعنيهم أن يكون الدثار صالحا للكساء.
وطال الترقيع والتلفيق على أولئك الأتباع، فاضطروا إلى مواجهة الحقيقة، كما استطاعوا أن يواجهوها.
ظهر لهم أخيرا أن «كارل ماركس» غير معصوم، وقالوها كأنهم يستجمعون شجاعتهم للاجتراء على هذا التجديف المخيف، بل قالوها وهم يشتمون المنقحين؛
1
ناپیژندل شوی مخ