فأجابه الوراق في خطاب رقيق ينبهه على حقيقة قد يكون غافلا عنها، فقال: «إننا نطبع من الرباعيات طبعة كل أسبوع، وتتراوح أثمانها حسب جودة ورقها وغلافها من خمسة قروش إلى عشرة جنيهات للنسخة الواحدة ... وسآمر بحجز نسخة لك من كل طبعة جديدة كما أمرت يا سيدي.»
لكن «فتزجر ولد» كان عندئذ قد بات في رمسه رفاتا!
السحر والساحر
لو كان معنى السحر هو أن يلتمس الإنسان النتائج من غير أسبابها كنا بحمد الله - الذي لا يحمد على مكروه سواه - نعيش في بلد السحر والساحرين.
فإذا شهدت إنسانا «يطبل على صفيحة» لكسوف الشمس؛ لعله يزول عنها فتشرق، أو شهدت امرأة عجوزا تخز بالدبابيس تمثالا من الشمع وخز الحانقة الغاضبة، فتفقأ عينيه مرة، وتطعن جنبيه أخرى ثم تلقي به في النار؛ تفعل ذلك لعل العدو الذي يشير إليه التمثال يصيبه ما أصاب صورته على الشمع ، أو شهدت قرويا ساذجا يحمل في جيوبه الأحجية والطلاسم، لترد عنه الضر والأذى؛ لو شهدت واحدا من هؤلاء؛ فماذا أنت قائل؟ وماذا أنت صانع؟ سترتسم على شفتيك ابتسامة ساخرة حزينة؛ إشفاقا على هؤلاء السذج المساكين مما يتخبطون فيه من ظلمات الشعوذة وأضاليل السحر.
وما الشعوذة والسحر هنا إلا التماس النتائج من غير أسبابها؛ فالشمس لا يزول عنها كسوفها بالنقر على الصفائح، والعدو لا يهلك إذا هلك له تمثال من الشمع، وليس سبيل الخلاص من الضر والأذى أن تحمل الأحجبة والطلاسم في الجيوب.
لو كان الساحر ساحرا لأنه يوهم الناس أن يتوقعوا النتائج من غير أسبابها؛ كنا بحمد الله محوطين بالسحرة من كل جانب، يكاد كل منهم يلقي بعصاه، فإذا هي حية تسعى!
وإن شئت فاقصد إلى من شئت من ساستنا - أو من هم في طريقهم أن يكونوا ساسة لنا - اقصد إليهم وهم يروجون لأنفسهم بين ناخبيهم، فإذا الواحد منهم يبدي من سحره للناس ما يزري بسحر بابل كلها، ومصر القديمة والهند والسند وبلاد الأفيال جميعا. فأصغر سياسي منا قادر - ولله الحمد على آلائه ونعمائه - أن ينقر بعصاه نقرة، أو يزمر بمزماره زمرة، فإذا البلاد قد تقشع عنها كل مرذول كريه، فلا جهل بعدئذ ولا فقر ولا مرض!
فلئن كان الجهل يزول في بلاد الأرض طرا بالمدارس تقام، وبالمدرسين يدربون، وبالمناهج تعد، وبالكتب تكتب وتطبع؛ فزوال الجهل عندنا لا يريد هذا العناء كله، فقد تكفيه خطبة أو خطبتان، ومقالة أو مقالتان ... نعم، إن زوال الجهل عن بلادنا يكفيه أن نصنع له مسخا من الشمع، نعطيه لامرأة عجوز، تخزه بدبابيسها في جنبيه وفي عينيه، ثم تلقي به في النار، فإذا الأمية قد امحي عارها، وإذا الناس جميعا قد انقلبوا قراء كاتبين!
ولئن كان زوال الفقر في بلاد الأرض طرا مرهونا بزيادة وسائل الإنتاج، واصطناع الآلات، وتكوين العقول الصناعية والتجارية التي تأخذ مسائل الاقتصاد مأخذ الجد الذي لا يريد هزلا ولا مزاحا؛ فزوال الفقر عن بلادنا أمره أيسر من ذلك سبيلا وأهون طريقا ، إنه لا يكلفنا إلا قطرات من مداد ننثرها على الصحائف هنا وهناك، والله بعد ذلك قادر على أن يجعل من هذه الطلاسم قوة قاصفة عاصفة، كأنها الريح العاتية هبت من قماقم الشياطين؛ فلا ترى العين بعدها عاريا إلا اكتسى، ولا جائعا إلا شبع، ولا مشردا إلا أوى إلى بيت.
ناپیژندل شوی مخ