شهیدان تعصب
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
ژانرونه
قال: ما هذه التصويرة التي معك؟ لعلها من حبيبتك مرسلين؟
أجاب: لا. - إنما عنيت التصويرة التي رأيتها مرارا على صدرك وقت الرقاد، فهل جاءت من امرأة تهواها؟ - كلا، فلست مجنونا لأهوى ملكة. - أملكة هي؟ - نعم؛ لأن عليها صورة كاترين دي مدسيس، تناولتها من يدها ليلة هربي من أرتناي، ولكن ما بالك؟ وما هذا الاصفرار الذي بدا على وجهك؟ - يا للداهية، إن ما أنا فيه فظيع! آه، إنني مجنون يا صديقي فما حم واقع، ولا مرد له ولا دافع! لقد مضى زمن وأنا أرى هذه الصورة، فأنا أهوى الملكة، وكنت غيورا منك. كنت أضطرب من هاتين العينين، ويزعجني التفكر فيهما كلما أويت إلى فراشي! وخيل لي أنني أخون صداقتنا بحبي للمرأة التي تهواها أنت. أما الآن فقد علمت أنك لا تهواها، بل علمت أن التي أهواها هي والدة الملك! ألا تعسا لي! بمثل هذا الغرام يهلك رجل مثلي.
ولم يكد جاليو يتعجب من شيء فقال: ولماذا يهلك به رجل مثلك؟ وهل تيأس من تلك المرأة التي تقدم على كل شيء؟
فوصلا إلى الباستيل، وأخذ يبحثان عن موضع فناء القلعة، وهو الموضع الذي أشار إليه الأمير في حديثه، وقال: إن الفيكونت شارتر يخرج إليه للتنزه في كل يوم فردهما الحراس، فابتعدا على أن يرجعا ليلا، وكان الظلام شديد الحلك حين رجعا. فزحفا على ضفاف خندق حتى بلغا المكان الذي تجري منه إلى السجن المياه، فقال جاليو: إنما ندخل من هنا. فالبث في موضعك لأرقب الموضع فإنني أود أن أفحص الممر الذي أشار إليه الأمير في إيضاحاته الخاصة.
ونزل إلى الماء فسبح فيه فوصل إلى قبة ترتفع قدمين فوق الخندق، وقد غطس بدنه في ماء ووحل. فعثر بباب من حديد كالشباك، فقال: واعجبا من باب متين كهذا يكون في مجرى المياه، ولكن من حسن الحظ أننا قادرون على اقتلاع بعض قضبانه الحديدية. قال هذا الكلام واقتلع قضيبا إلى جانب القفل بخنجر معه حتى تمكن من مد يده وإدارة القفل، فدار الباب على رزاته وانفتح، فمر جاليو سابحا حتى انتهى به العوم إلى فناء مزروع أشجارا، وكان ذلك المكان متنزه الفيكونت شارتر، فقال جاليو: إذا أعددنا ثلاثة أفراس عند باب سن أنطوان، واتخذنا الخناجر، تم لنا النجاح. ثم رجع إلى الموضع الذي غادر فيه صديقه فألفاه ينظر إلى السهى مسترسلا في تأملاته، فقال له: حسبك يا هذا فما عشق الصور بمحمود. قال: لا تمزح، ولا تهزأ بي فإني عاشق حقا. قال: إذن كان الأجدر بك ألا تمد يدا إلى إنقاذ الفيكونت شارتر. فقد قيل إنها كانت تحبه. قال: لا تكلمني عن ماضي تلك المرأة يا جاليو فإنني قد تناسيته، وأنا أهواها، ولا غرض لي من حياتي إلا أن أخدمها وأموت في سبيل هواها.
فقال جاليو: لعمر الحق هذه أول مرة أفلحت فيها كاترين بأن كانت السبب في هوى مجرد عن الأغراض.
قال ترولوس: وعن الأمل أيضا!
وقال جاليو: ولم ذلك، أولست شريفا مثل الفيكونت شارتر الذي عزمنا على إنقاذه؟ ألا فاذكر ذلك يا ترولوس، كل شيء ممكن حدوثه في بلاط فالوا! •••
وبعد يومين قبيل الفجر كان حراس الباستيل يوزعون على أسواره، وحاكمه يلقي بعض الأوامر. فهم جاليو بمباشرة العمل فأوقفه صديقه، وقال: بل أود أن ألقى الرجل وأراه قبلك. فنزل ترولوس إلى ضفاف الخندق، ووصل إلى الفناء الذي كان الفيكونت يتنزه فيه، والمجرى الذي وقف ترولوس عنده كان محجوبا بالأشجار الغضة، فانتظر عنده ولم يره أحد، ومن ذا الذي يخطر في باله أن في العقلاء من يتجرأ على إنقاذ سجين من الباستيل عند طلوع النهار. فلبث ترولوس منتظرا حتى أزفت الساعة التاسعة فانفتح باب الفناء، وخرج الرجال يتقدمون سجينا تلوح على محياه أمارات النبل والذكاء. فقال ترولوس في سره: هذا هو صاحبنا الفيكونت شارتر.
ثم انزوى الحراس إلى زاوية، وتركوا السجين يتنزه كما يشاء فمر المسكين مرارا أمام الأشجار الغضة، ثم ارتمى على مقعد هناك، وإذ ذاك سمع وراءه قائلا يقول: أتسمعني يا سيدي؟
ناپیژندل شوی مخ