شهیدان تعصب
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
ژانرونه
قالت: رحل إلى أين؟ - لقد لحق ببلاط الملك، فكيف العمل؟
ولاح لمرسلين الهناء والحرية من خلال ستور هذا الحادث، فلم تتردد، بل قالت: لا بد من سفرك إلى بلوا فتلقى الكردينال هناك.
وفي اليوم التالي سافر أفنيل فوصل إلى بلوا في يوم أحد، وكان الكردينال وسائر رجال البلاط في الكنيسة. فشاور أفنيل قائد الحراس في أمره فأشار عليه بالانتظار عند باب الكنيسة لعله يرى الكردينال وقت خروجه منها.
وما عتم أن انفتح بابها فانبعث من داخلها عطر البخور والطيوب، وطرقت أذنيه نغمات الأرغن في آخر القداس، وقد علمنا أنه كان بروتستانتيا فغمغم يقول: قبحا لهذا المذهب الذي يشبه مذهب الوثنيين عباد الأصنام.
إلا أنه لم يتمكن من الاسترسال في تأملاته بشأن المذهب الكاثوليكي؛ لأن القداس كان قد انتهى وخرج أهل البلاط من الكنيسة، فأبصر أفنيل شابا لابسا صدرة بيضاء عليها صليب، يتقدم وهو معجب بنفسه. وكان ذلك الشاب فرنسوا الثاني الابن البكر لكاترين دي مدسيس، ولم يبلغ العشرين بعد، ومما يسهل تحققه أنه كان ألعوبة بين أيدي رجلين حازمين هما فرنسوا دي جيز وأخوه الكردينال دي لورين. وكان الملك متهلل الوجه في ذلك اليوم؛ لأنه قد مضى أسبوع كامل لم ير فيه ابن عمه أمير كوندة، ولم يكن فرنسوا الثاني يحب ذلك الأمير، ولسروره سبب آخر، هو أنه أمر باتخاذ الأهبة للصيد، وكان الصيد من ملذات الملك؛ لأنه يستريح في أثنائه من سماع الطعن على البروتستانتيين والكاثوليكيين والثائرين والناقمين، ثم إنه يتمتع وهو في الصيد بصحبة زوجته الملكة ماري.
وكانت زوجته ماري ستوارت ملكة اسكتلندا وفرنسا تمشي وراءه، وقد بهر حسنها الأبصار، وأزرى بحسن كل فتانة من غادات البلاط، وكان شارل نسيبها يمشي إلى جانبها ناظرا إليها نظرات ملؤها الإعجاب.
وكاترين دي مدسيس تمشي وراء كنتها مرتدية السواد، وكأن سواد ثيابها وصمة في ذلك السناء والبهاء اللذين حولها، وما من أحد يستطيع أن يحزر عمر كاترين. فقد كانت ذات حسن بقي فتانا؛ لأنها رشيقة القوام، لها جيد ناصع البياض ، ويدان طالما حسدتها كنتها ماري ستوارت على بياضهما وصغرهما. ثم إنها كانت متأنقة في لبسها الأسود، تنخفض أبصار عظماء المملكة أمام بصرها، ولم تكن تدعى أم الملك، بل الملكة الوالدة. فتقدمت تمشي بين أجمل حاشية من حواشي الملكات في العالم، وبين نسائها «ديانا دي بواتيه» و«أميرة كوندة» و«دوقة دي جيز» و«مدام ديانا» ابنة هنري الثاني غير الشرعية، وغيرهن من السيدات. أما الرجال فكانوا يمشون وراء كاترين ونسائها، وفي مقدمتهم أمراء لورين، والغطرسة والكبرياء ظاهرة على وجوههم، وحركاتهم شاهدة بعظم سلطتهم. فلما رأى «أفنيل» موكب السيدات والحاشية ضاع رشده فلم يتجرأ على مخاطبة الكردينال دي لورين، ولم يفق من ذهوله وخجله حتى أبصر بين الجمهور صديقا له اسمه للمان دوزي، وكان سكرتير الكردينال، فكلمه، وبعد هنيهة أدخله ذلك الصديق مكتب الكردينال، وكان عنده أخوه فرنسوا. فقال أفنيل: أرجو عفوا من مولاي الكردينال، فما أقدمت على مقابلته إلا لأمر خطير يتعلق بحياته. - بحياتي أنا؟ - نعم، وحياة مولاي الدوق.
فقال الدوق: وهل يوجد من يتجرأ على مؤامرة ضدي، بل ضدنا؟ فأجابه أفنيل: نعم يا مولاي.
قال: إذن سأصدر أمرا إلى ملازمي بإعداد بعض المشانق للمتآمرين. - وا أسفاه، إن بعض المشانق غير كافية. - ما معنى هذا الكلام يا أفنيل؟ - ليست المؤامرة المدبرة مكيدة يسيرة يراد بها اغتيال، وإنما هي مؤامرة كبيرة. - أظن أن القائمين بها من طائفة البروتستانت، تلك الطائفة اللعينة التي تحاول رفع رأسها. ألا فلتحذر! إن رءوس الرعايا إذا ارتفعت كثيرا أمر الملوك خدمهم المخلصين بقطعها.
وقال الكردينال: لا تنس يا أخي أن المحامي أفنيل بروتستانتي.
ناپیژندل شوی مخ