د علم او غربت شهیدانو یادونه
ذكرى شهداء العلم والغربة
ژانرونه
عندما طير البرق خبر الكارثة الأليمة المحزنة التي استشهد فيها اثنا عشر طالبا مصريا، قامت نخبة من أفاضل الأمة المصرية العاملين وقررت تشكيل لجنة لتشييع جنازة شهداء العلم والغربة في مدينة الإسكندرية، تحت رعاية صاحب السمو الجليل عمر طوسون باشا، وبرئاسة حضرة صاحب السعادة المفضال والشيخ الوقور أحمد يحيى باشا، وحضرة صاحب السعادة المفضال محمود باشا الديب وكيلا، وبعضوية حضرات أصحاب السعادة والعزة الأماجد عبد الله باشا الغرياني، ومحمد بك فهمي الناضوري، وعبد العزيز بك الحديني، ومحمد بك الكلزه، والسيد بك مرسي، ومصطفى بك الخادم، ورمضان بك يوسف ، وإبراهيم بك سيد أحمد، والدكتور أحمد عبد السلام، وسليمان أفندي أنطون، وعبد الحليم أفندي جميعي، وأحمد بك زكي، والدكتور ظيفل بك حسن، وفهمي بك غانم، وسعيد بك طليمات، وصادق أفندي أبو هيف؛ لأجل تنظيم وتنسيق جنازة شهداء العلم والغربة الطلبة المصريين المتوفين في حادثة صدمة قطار سكة الحديد بين حدود إيطاليا والنمسا ببلدة «مونتبا». فإزاء هذه الهمم العالية والأريحية لا يسعنا إلا أن نسدي حضرات أعضاء لجنة الإسكندرية الشكر الجم والثناء العظيم، وخصوصا صاحب السمو الأمير الجليل عمر طوسون، وحضرة صاحب السعادة الشيخ الوقور أحمد يحيى باشا. وسنذكر تشييع الجنازة وما قامت به هذه اللجنة المباركة بالتفصيل.
واعترافا بما لصاحب السمو الأمير الجليل عمر طوسون من الأيادي البيضاء والمنن الغراء والمآثر الفيحاء على سكان وادي النيل؛ قد أتينا على لمحة من تاريخ حياته المجيد.
فذلكة تاريخية للأمير
لا نقصد من هذه اللمحة مدح الأمير فهو غني بصيته الذائع وشهرته الواسعة عن المدح والإطراء، ولكن اعترافا بشيم الأمير وشمائله العالية نكتب ترجمته للأمة والبلاد ليكون لها من تاريخ حياته الحافل بجلائل الأعمال نبراس يضيء لها طريق المجد الصحيح ومحبة الخير للخير. وفي اعتقادنا أن ترجمة الأمير أكبر درس للذين يرون في مجد الحسب والنسب كل الفخر، وفي المال الموروث عن الآباء والأجداد غنى عن كل منقبة تكسبهم مجدا جديدا وذكرا حميدا.
بسطنا هذه المقدمة ليعرف الأمير قصدنا من ترجمته، وأننا لم نعد ما في نفسه، ولم نتجاوز غرضه، وليكون القارئ على بصيرة من الغاية التي حدت بنا إلى ذكر هذه السيرة الشريفة.
مولد الأمير
ولد الأمير عمر بن طوسون بن سعيد بن محمد علي الكبير بالإسكندرية في 8 سبتمبر سنة 1872م، وتوفي والده وهو في السنة الرابعة من عمره فكفلته جدته لأبيه خير كفالة، وعنيت بتربيته هو وإخوته أجل عناية، فنبت نباتا حسنا وشب على الكمال خلقا وخلقا. ودرس مبادئ العلوم على أساتذة قصر والده إلى أن بلغ الحلم، فنزح إلى سويسرا ودرس فيها دراسة مستفيضة. ولما تخرج تاقت نفسه إلى السياحة ، فرحل إلى إنجلترا وفرنسا باحثا مدققا، معتبرا بما هنالك من تقدم اجتماعي وعلمي وصناعي وزراعي، ثم قفل إلى الديار المصرية حاملا بين جنبيه همة عالية ونفسا ذكية، وقلبا ألمعيا، وأدبا عبقريا. وهو يجيد اللغة التركية، والعربية، والفرنسية، والإنجليزية، قراءة وكتابة، ويشارك في مختلف العلوم مشاركة تدل على سمو مداركه، وسعة معارفه، وقد نال من الرتب والوسامات المصرية أسماها وأعلاها. واقترن بإحدى كريمات الأمير حسن باشا ابن الخديو إسماعيل، فرزقه الله منها النجباء والنجيبات من البنين والبنات، وسعادتهم بتثقيفه وتعليمه لهم تتفق مع سعادة طالعهم وتبشر بأنهم سيطلعون نجوم سماء ويسطعون كواكب علاء.
وللأمير ولع بالفروسية وكل ما يؤدي إليها، فلذلك كانت دائما جميع أندية الرياضة في البلاد ملحوظة بجميل رعايته، كمضامير السباق في الديار المصرية فهو رئيسها منذ أمد بعيد، ومن أكبر المنشطين لها، كما له ولع قديم بالصيد والقنص جعله من أمهر الرماة. واكتسب الأمير من وراء هذا الميل الغريزي فيه صحة ونشاطا، ينطقان بفوائد الرياضة بأفصح لسان، فهي لا تدخل في باب اللهو كما يظن عامة الشرقيين، بل هي إلى الجد أقرب لعودها على الصحة بأجل الفوائد، والصحة ملاك الحياة، وعليها ينبني العلم والعمل، وما يعمله الصحيح في يوم لا يقدر عليه السقيم في أيام، كما أن العقل السليم في الجسم السليم.
ومنذ بلغ أشده جعل نصب عينيه أن يقبض يوما ما على زمام دائرته ويدير شئونها بنفسه، فانكب على التمرن وكان من وقت لآخر يطوف مزارعه الواسعة، وينعم النظر في كتب الفلاحة، ويعنى بالوقوف على أسرارها وأصولها العملية، كما يعنى إذا رجع إلى ديوان دائرته بالشئون الإدارية والمالية، ولما كملت أهليته تولى أمره بنفسه، وقد أصبح الآن ممن يشار إليهم بالبنان في سعة الاطلاع على العلوم الزراعية والمعاملات المالية.
وعهدت إلى إدارته بعد دائرتان من أكبر الدوائر، وهما دائرة الأمير حسن باشا وزوجه الأميرة خديجة هانم، ودائرة الأمير محمد إبراهيم، فتبرع بإدارة شئونهما غيرة منه على مصالح المستحقين فيهما من أبناء أسرته الكريمة، وأبى أن يأخذ على ذلك أجرا، وطالما كلفه الطواف على مزارع الدائرتين ورعاية مصالحهما مالا، فتأبى نفسه الكريمة إلا أن يكون على حسابه الخاص، فهو يضحي بالكثير من وقته وماله في سبيل منافع بعض أعضاء أسرته شأنه في محبة الخير وإسداء النصيحة إلى القريب والبعيد. وقد بلغت الدوائر الثلاث بحسن إدارته أفضل المبالغ، وغدا مركزها المالي ثابتا على أقوى الدعائم، ونهضت بها عزيمته نهضة جعلتها في مقام رفيع.
ناپیژندل شوی مخ