وربما كان أصدقاؤه بوزارة الحربية هم أقربهم إليه، ليس من العسكريين فقط بل ومن المدنيين أيضا؛ فقد كان لهذه الوزارة معاملات واسعة مع الشركة.
وبطبيعة هذه المعاملات كان للعسكريين والمدنيين بالوزارة أواصر بالعقود التي تعقد مع الشركة، وقد أناط به رئيس قسمه الإشراف على عقود هذه الوزارة.
وبطبيعة عمله اتصل بموظفين في شركات أخرى، واستحوذ على اهتمام رئيسه وثقته.
ولم تعقه إجادة عمله بالشركة أن يجعل الباشا راضيا كل الرضا؛ فقد استطاع أن ينظم أوراقه جميعا، وجعل للباشا وزوجته ولكل بنت من بناته حسابا منفصلا، وخصص لأوراق كل منهم أماكن محددة حتى لا تختلط الحسابات، وحتى يستطيع الباشا في لحظة من الزمن أن يتعرف على ما يريد التعرف عليه من حسابات أي فرد من أفراد الأسرة. وقد استطاع بهجت من خلال هذا التنظيم أن يعرف ثروة كل بنت من بنات الباشا الثلاث؛ فقد اتضح له أن الباشا وزوجته قد باعا بعقود رسمية أغلب ما يمتلكانه لبناتهما مقسما بينهن تقسيما عادلا، حتى لا ينال أحد من أقارب الأبوين شيئا من الميراث.
كما تبين له أن كريمته الكبرى زوجة ممدوح زيدان أكثر البنات ثراء بما لزوجها من أملاك شاسعة، حتى إنه لم يكن يعمل شيئا إلا أن يدير أملاكه الخاصة.
أما وحيد قناوي الموظف بالخارجية فقد كان ابن أسرة عريقة في قنا، ولكن عراقتها لم تتح لها من المال إلا ما يجعلها تعيش راضية في غير بذخ فاحش ولا تقتير كز.
أما حمدي عمران زوج ميرفت فقد كان ابنا لفوزي عمران الموظف الكبير بوزارة المالية، وكان يعيش من مرتبه وحوالي أربعين فدانا ورثها عن أبيه، ولم يكن قد أنجب إلا حمدي، وإنما قبل كمال باشا حمدي زوجا لابنته لصداقة وثيقة الأواصر تربط بينه وبين أبيه فوزي، ولم تكن الصداقة وحدها هي الشفيع لهذا الزواج، بل ما يعرفه الباشا عن فوزي والد حمدي، من خلق رفيع ونزاهة وحفاظ على الكرامة.
صارت أمور الأسرة جميعا واضحة لبهجت كل الوضوح، ولقد كان لما جبل عليه من حب شديد لمعرفة أسرار الناس وخاصة الأثرياء منهم وذوي الجاه، كان لهذا أثر بعيد في أن يتعرف على ثروات الأسرة جميعا فردا فردا.
وقد ائتمنه الباشا على هذه الأسرار؛ لأنه لم يكن عنده شيء يخيفه؛ فكل تصرفاته ناصعة النقاء.
وهكذا أصبح بهجت لصيقا بالباشا يعتمد عليه في خاصة شأنه، بل وفي بعض أعماله العامة أيضا.
ناپیژندل شوی مخ