(خبر) وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، ولا معنى للمنع عن ذلك إلا ما لا يؤمن من مس المشركين له، وقيل: لا يمسه إلا المطهرون، قيل الموحدون، وقيل: لا يمسه إلا المطهرون بالعمل وهم المؤمنون، وقيل: لا يعرف تفسيره ومعانيه إلا المؤمنون الراسخون في العلم، والراسخون في العلم هم المبالغون في لغة العرب وإذا كان هذا اختلاف المفسرين لم يصح ما قالوه؛ ولأن المسلم إذا كان سليما من الجنابة، وكذلك المسلمة إذا كانت سليمة من الحيض والنفاس والجنابة انطلق عليهما شرعا اسم الطاهر حقيقة، يزيده وضوحا أن الأمة أجمعت إجماعا معلوما في كل عصر وفي كل قطر على أن صبيان المكتب يمسون المصاحف وهم محدثون من دون تناكر، فلولا أن ذلك جائز لما أجمعوا عليه؛ لأنه يكون إجماعا منهم على الخطأ؛ فيؤدي إلى خروج الحق عن أيدي الأمة وذلك باطل، فما أدى إليه يكون باطلا، فإن قيل: إنهم غير مكلفين بشيء من الشرائع فلا يصح هذا الاحتجاج.
قلنا: إنا لم نجعل الحجة فعل الصبيان فهم غير مكلفين بلا خلاف، وإنما الحجة هي تقرير الأمة لهم على مس المصاحف وهم محدثون، ولو كان ذلك محظورا لما أجمعوا عليه كما بيناه، ألا ترى أن الواجب على أولياء الصبيان منعهم عن لبس حلي الذهب والخلاخيل ونحو ذلك من لبس الحرير المحض، والتكليف في ذلك على أوليائهم والثواب لهم في منعهم كما يجب عليهم منعهم من شرب الخمر والمسكر ونحوهما، كما يجب على أوليائهم أمرهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين وضربهم على تركها إذا بلغوا عشرا، وإذا لم يأمروهم بذلك كان العقاب مصروفا إلى أوليائهم واللآئمة من الله تعالى.
وأما الاحتجاج بالخبر المتقدم وهو قوله لا يمس القرآن إلا طاهر، المراد به أن يكون طاهرا من الجنابة بدليل ما تقدم.
(خبر) وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يحجبه عن قراءة القرآن إلا الجنابة.
مخ ۵۳