الجسم وأول شيء خيل اعتقاد الخلاء هو الهواء ، وذلك لأن الظن العامى الأول هو أن ما ليس بجسم ولا فى جسم فليس بموجود. ثم ظنهم (1) الأول فى أمر (2) الأجسام الموجودة ، هو أن تكون (3) محسوسة بالبصر ، وما لا يحس بالبصر (4) يظن أنه ليس بجسم ، ثم يوجب أنه ليس لشيء (5). فكذلك (6) يتخيل من أمر الهواء أنه ليس بملاء ، بل لا شيء ، فكان (7) الإناء الذي فيه هواء (8) لا يتخيل (9) عندهم من أمره فى أول الأمر أن فيه شيئا ، بل يخيل أن هناك أبعادا خالية ، فأول من نبههم نبههم (10) بأن أراهم (11) الأزقاق (12) المنفوخة تقاوم المس (13)، فأظهر لهم بالمس أن الهواء جسم كسائر الأجسام فى أنه جسم. فمن الذين أراهم (14) ذلك من رجع ، فلم ير أن هاهنا خلاء موجودا ، إذ (15) صار الشيء الذي كان يظنه خلاء ، هو الملاء (16)، ومنهم من سلم أن الهواء ليس بخلاء صرف ، بل ملاء ، ويخالطه (17) خلاء ، ولم يخل من الخلاء ، إذ قد وجد حججا وقياسات أنتجت أن الخلاء موجود. فمن الحجج على ذلك أنا نرى أن الأجسام تتخلخل وتتكاثف من (18) غير دخول شيء (19) أو خروجه. فالتخلخل إذن تباعد الأجزاء تباعدا يترك ما بينها (20) خاليا والتكاثف رجوع من الأجزاء إلى ملاء الخلاء المتخلخل

قالوا : ونحن نرى إناء مملوا من رماد يسع ملاؤه ماء فلو لا أن هناك خلاء لاستحال (21) أن يسع ملاؤه ماء. وقالوا (22) أيضا : والدن يملأ شرابا ، ثم يجعل ذلك الشراب بعينه فى زق (23)، ثم يجعلان فى ذلك الدن بعينه ، فيسع (24) الدن الزق (25) والشراب معا. فلو لا أن فى الشراب خلاء قد انحصر فيه مقدار مساحة الزق ، لاستحال أن يسع الزق والشراب معا ما كان يملأه الشراب وحده. وقالوا (26): إن النامى أيضا إنما ينمو بنفوذ شيء فيه فلا شك أن ذلك الشيء ينفذ لا فى الملاء ، ولكن فى الخلاء. وبعضهم جعل هذا الاحتجاج كليا فقال : إن المتحرك لا يخلو إما أن يتحرك فى خلاء أو يتحرك فى ملاء ، لكنه إن تحرك (27) فى الملاء (28) دخل ملاء فى ملاء ، فبقى أن يتحرك فى الخلاء. ومن ذلك احتجاجهم بالقارورة التي تمص ثم تكب على الماء ، ولو كانت مملوة لما وسعت شيئا آخر يدخل فيها. وقالوا أيضا : إن المتحرك إذا تحرك (29) فلا يخلو إما أن يدفع الملاء فيحركه ، وإما أن يداخله ، لكن

مخ ۱۱۷