وقد يدلنا على وجود هذه القوة اعتبارات أمور تدل على أن لها آلة غير الحواس الظاهرة مما نراه من تخيل المدورية أن كل شىء يدور فذلك إما عارض عرض فى المرئيات أو عارض عرض فى الآلة التى بها تتم الرؤية، وإذا لم يكن فى المرئيات كان لا محالة فى شىء آخر، وليس الدوار إلا بحسب حركة البخار فى الدماغ وفى الروح التى فيه، فيعرض لتلك الروح أن تدور، فتكون إذأ القوة المرتبة هناك هى التى يعرض لها أمر قد فرغنا منه، وكذلك يعرض للإنسان دوار من تأمل ما يدور كثيرا على ما أنبأنا به، وليس يكون ذلك بسبب أمر فى جزء من العين ولا فى روح مصبوب فيه، ولذلك نتخيل استعجال المتحرك النقطى مستقيما أو مستديرا على ما سلف من قبل، ولأن تمثل الأشباح الكاذبة وسماع الأصوات الكاذبة قد يعرض لمن يفسد لهم آلات الحس أو كان مثلا مغمضا لعينه، ولا يكون السبب فى ذلك إلا تمثلها فى هذا المبدأ، والتخيلات التى تقع فى النوم إما أن تكون لارتسام الصورة فى خزانة حافظة للصور، ولو كان كذلك لوجب أن يكون كل ما اختزن فيها متمثلا فى النفس ليس بعضها دون بعض حتى يكون ذلك البعض كأنه مرئى أو مسموع وحده أو أن تكون يعرض لها التمثل فى قوة أخرى، وذلك إما حس ظاهر وإما حس باطن، لكن الحس الظاهر معطل فى النوم، وربما كان الذى يتخيل ألوانا ما مسمول العين، فبقى أن يكون حس باطن، وليس يمكن أن يكون إلا المبدأ للحواس الظاهرة والذى كان إذا استولت القوة الوهمية وجعلت تستعرض ما فى الخزانة تستعرضه بها ولو فى اليقظة، فإذا استحكم ثباتها فيها كانت كالمشاهدة، فهذه القوة هى التى تسمى الحس المشترك وهى مركز الحواس ومنها تتشعب الشعب وإليها تؤدى الحواس، وهى بالحقيقة هى التى تحس،
لكن إمساك ما تدركه هذه هو للقوة التى تسمى خيالا وتسمى مصورة وتسمى متخيلة، وربما فرق بين الخيال والمتخيلة بحسب الاصطلاح، ونحن ممن يفصل ذلك، والحس المشترك والخيال كأنهما قوة واحدة وكأنهما لا يختلفان فى الموضوع بل فى الصورة، وذلك أنه ليس أن يقبل هو أن يحفظ، فصورة المحسوس تحفظها القوة التى تسمى المصورة والخيال، وليس إليها حكم البتة بل حفظ، وأما الحس المشترك والحواس الظاهرة فإنها تحكم بجهة ما أو بحكم ما فيقال إن هذا المتحرك أسود وإن هذا الأحمر حامض، وهذا الحافظ لا يحكم به على شىء من الموجود إلا على ما فى ذاته بأن فيه صورة كذا،
مخ ۱۶۵