وأما الفصل والنوع فيشتركان بأنهما يجملان على ماتحتهما بالسوية. والمشاركة الأخرى أنهما ذاتيتان؛ وهذه تقع أيضا بين الجنس والفصل، ولم يذكرها. وأما المباينة فإن حمل النوع من طريق ما هو، وحمل الفصل من طريق أى شىء هو، وإن الإنسان، وإن صلح أن يكون جوابا عن أى الحيوان، فليس ذلك له أولا وبذاته، بل بسبب الناطق. وقد بحث عن هذا قبل. والمباينة الأخرى هى أن النوع لايوجد ة إلا محمولا على كثيرين مختلفين بالعدد فقط، والفصل فى أكثر الأحوال أو فى كثير من الأحوال يحمل على كثيرين مختلفين بالنوع. وهذه المباينة بين الفصل والنوع السافل، لابين الفصل والنوع المطلق. والمباينة الثالثة هى أن الفصل أقدم من النوع، وأورد مثاله من طريق الرفع بأن قال: ان الناطق يرفع برفعه الإنسان، ولا يرتفع برفع الإنسان، إذ الملك ناطق؛ ولم يأت بالفصل والنوع اللذين هما معا، بل أخذ فصل جنس الإنسان، وقايسه بالإنسان، وفعل نظير ما لفاعل أن يفعله قائلا: إن النوع أقدم من الفصل، إذ الحى نوع للجسم، وهو أقدم من الفصل الذى هو الناطق. وكما أن هذا القائل محرف للحق بعدوله عن إيراد فصل ونوع متعادلين فى الوضع، كذلك ذلك؛ لكن الفصل أقدم من النوع من جهة أنه علة وجوب وجوده، ونسبته إليه نسبة الصورة إلى المركب. وأورد مباينة أخرى وهى أن فصلين يأتلفان فيقومان نوعا، والنوعان لا يأتلفان فيقوم منهما نوع؛ وجعل مثال الفصلين الناطق والمائت، وقد علم أنهما غير متساويى التركيب، كما شرحناه قبل. لكن هذه المباينة تستمر على أحد اعتبارين: إما أن يجعل الفصلان من جنس فصلى الحساس والمتحرك بالإرادة، وإما أن يقال: إن الفصلين المختلفى الترتيب يجتمعان، فيحدث من اجتماعهما إلى ما تجتمع مع نوع، هو غير كل واحد منهما. وأما النوعان المختلفا الترتيب فلا يأتلفان، حتى يحدث منهما، غير كل واحد منهما، نوع آخر، بل يكون الأعم منهما جزءا من الأخص، ويكون الحاصل لا شيئا حاصلا من اجتماعهما، بل هو شىء هو أحدهما. والنوعان اللذان لا يختلفان فى الترتيب بل يكونان متباينين، لا يجتمعان ة البتة . لكن لقائل أن يقول: إن الناطق والمائت فى أنفسهما نوعان من أشياء أخرى، وإن لم يكونا نوعين للناس، وقد اجتمعا فأحدثا نوعا، وكذلك كثير من الطبائع المختلفة الأنواع تجتمع فيكون منها نوع ثالث بالاجتماع، كالاثنينية والثلاثية يفعلان بالاجتماع الخماسية، وهى نوع ثالث غيرها، فإن الجواب أن الاعتبار الذى ذهب إليه فى ذكر هذه المباينة غير هذا الاعتبار؛ وذلك أن الغرض فيما يقوله متوجه نحو أشياء محمولة على أشياء بأعيانها يشترك فيها؛ فإنها إذا كانت فصولا كالناطق والمائت اللذين قد يقالان على موضوعات بأعيانها، فإنها إذا اجتمعت فعلت شيئا ثالثا يكون نوعا من الأنواع لتلك الأشياء، وتكون تلك الأشياء موضوعات له، كما توضع الأشخاص للأنواع، ولا يكون كذلك الناطق؛ لأن الحيوان داخل فى ماهية تلك الأشخاص، وليس داخلا فى ماهية الناطق والمائت؛ فليس الناطق والمائت نوعين بالقياس إليها، وإن كانا محمولين عليها، وإلا كانا متوسطين بينهما وبين الجنس الذى هو الحيوان، وكانا نوعين تحت الحيوان لا فصلين قاسمين؛ فقد وجد فى الفصول فصلان يقومان نوعا مشاركا فى الموضوعات، ولا يوجد ذلك فى الأنواع. وأما أن تكون أنواع مختلفة فتفعل باجتماعها نوعا موضوع ذلك النوع غير موضوعاتها فذلك غير منكر، مثل موضوعات الخمسية فإنها غير موضوعات الاثنينية والثلاثية. وأما الفصل والخاصة فيشتركان فى أنهما يحملان على ما تحتهما بالسوية. ويجب أن تعلم أن هذا إنما هو فى بعض الحواص التى منها الخاصة العامة الدائمة الصورية، فإن الضاحكين ضاحكون بالسوية، كما أن الناطقين ناطقون بالسوية. ويشتركان فى أنهما للكل ودائما، وهذا أيضا للخاصة العامة الرائمة. وأما المباينات فلأن الخاصة الحقيقية هى لنوع واحد، والفصل قد يكون لأنواع، وقد علمت مافى هذا. وأتبع ذلك مباينة هى كأنها تلك أو لازمة لتلك، فقال: إن الفصل قد لاينعكس فى الحمل؛ فلا يقال كل ناطق إنسان، كما يقال كل إنسان ناطق؛ وأما الخاصة الحقيقية فتنعكس. وأما المشاركة بين الفصل وبين العرض الغير المفارق، فدوام وجودهما لموضوعاتهما. وأما المباينات فالأولى منها أن الفصل يحوى دائما ماهو له فصل، ولايحوى ة. قال الرجل: وأما الأعراض فإنها تحوى غيرها، وذلك من حيث هي عامة، وتحوى أيضا من غيرها من قبل أن الموضوع لا يختص بقبول واحد منها محمولا عليه أو فيه، بل يوضع لغيره، فهو لذلك يحويه كما كان العرض بحويه؛ لأنه لايختص بالحمل على الواحد من موضوعاته، بل يعرض لغيره. وقد نسى الرجل ماقاله: "إن الموضوع الواحد قد تكون له فصول كثيرة تجتمع فيه". ثم الحوى كأنه لفظ مشكك غير علمى، لا ينبغى أن يستعمل؛ فإن مفهوم وجه الحوى المثبت للعرض والجنس مباين للوجه المسلوب. وقد كان له وجه آخر لو قاله لكان أصوب، وهو أن العرض قد يحوى ويحوى، إذ هو من جهة أعم ومن جهة أخص، كالأبيض فإنه كما يحمل على غير الإنسان، فكذلك الإنسان قد يحمل على غير الأبيض، فيكون لاكل إنسان أبيض؛ ولا كل أبيض إنسان، بل بعض هذا ذاك، و بعض ذاك هذا؛ ولكن هذه مباينة مع بعض الأعراض. فتأمل أنه كيف جعل العارض للشىء ولايعمه خارجا من جملة العرض؛ وكان توهم فيما سلف أنه فيه ومنه. وأما أنه كيف جعله كذلك، فلأنه جعل من شروط العرض التى بها يباين أنه يحوى النوع ويزيد عليه، اللهم إلا أن يكون أراد أن هذه مباينة، لا لكل عرض، بل لعرض ما. والمباينه الأخرى أن لا شىء من الفصول يقبل الزيادة والنقصان، بل طبيعة الفصلية تمتنع أن تقبل الزيادة والنقصان، وكون الشىء عرضا لا يمنع ذلك؛ لكن الرجل أطلق أن الأعراض تقبل الزيادة والنقصان. ومباينة أخرى هى أن الفصلية تمنع أن يوجد لمقابلاتها موضوع واحد بعينه، فيكون هو ناطقا وغير ناطق، والعرضية لاتمنع ذلك؛ فإن الأعراض الغير المفارقة قد يكون للمتضادات منها موضوع واحد. وأما النوع فيشارك الخاصه الحقيقية فى أن كل واحد منهما ينعكس على الآخر، فكل إنسان ضحاك، وكل ضحاك إنسان؛ وفى أنهما يوجدان معا لموضوعاتهما دائما. أما المباينات فأولاها أن الشىء الذى هو نوع لشىء يصير جنسا لشىء آخر، وأما الخاصة فلا تكون خاصة لشىء آخر؛ وهذه المباينة متشوشة ردية جدا. أما أولا فلأنه كان فيما سلف لا يلتفت إلى إيراد المباينة بين النوع المضايف للجنس وبين غيره، بل يشتغل بالنوع السافل، والآن فقد أعرض عن ذلك، واشتغل بالنوع المضايف للجنس، ثم الخطب فى هذا يسير. لكنه لو كان قال: إن النوع للشىء قد يصير خاصة لشىء آخر، ثم قال: إن الخاصة لا تصير خاصة لشىء آخر، لكانت مباينة حسنة؛ ولكن الحكم فى النوع كاذب. ولو قال: إن النوع للشىء يصير جنسا لشىء آخر، والخاصة لاتصير جنسا لشىء آخر، لكان هذا أيضا صحيحا؛ ولكن الحكم فى الخاصة كاذب. فكما أن النوع الذى ليس بسافل يصير جنسا، كذلك الخاصة لنوع غير سافل تصير جنسا، فتكون خاصة لنوع عال، وجنسا لأنواع لها، كاللون فإنه خاصة وجنس. ولو كان قال: إن النوع للشىء قد يصير خاصة لشىء آخر، والخاصة لا تصير خاصة لشىء آخر لكان مستقيما. ومباينة أخرى وهى أن النوع متقدم فى الوجود، والخاصة متأخرة؛ وهذا مسلم معقول، كما قد سلف. ثم أورد مباينة أخرى وهى أن النوع موجود بالفعل دائما، وأما الخاصة فتوجد فى بعض الأوقات. وها هنا تشويش أيضا؛ وذلك أنه إن عنى بالخاصة مثل الضحك الذى بالفعل، فقد خرج عن المذهب الذى كان يسلكه إلى الآن؛ وإن عنى بالخاصة الاستعداد الطبيعى، فذلك موجود بالفعل دائما، فإن كون الإنسان ضحاكا بالطبع موجود له بالفعل دائما. وهذه المباينة إن صحت فكان يجب أن يذكرها للجنس والفصل مع الخاصة أيضا. ومباينة أخرى هى أن حديهما مختلفان، وهذه المباينة موجودة بين الجميع ليست تخص اعتبار الحال بين النوع والخاصة؛ وأما النوع والعرض فيعمهما أنهما كليان. قال: ولا يوجد لهما أشياء كثيرة يشتركان فيها لبعد ما بينهما؛ وأما المباينة فلأن هذه للماهية وذلك ليس، ولأن الجوهر الواحد نوعه واحد، وأعراضه لايجب أن تكون واحدة. وهذه المباينة توجد أيضا بين الجنس والعرض، وبين النوع والخاصة، وبين الجنس والخاصة. وأيضا فإن النوع قبل العرض وجودا وتوهما، و إن النوع يستوى لموضوعاته المشتركة فيه، والعرض قد لايستوى، وإن كان غير مفارق كسواد الزنوج. وأما الخاصة والعرض الغير المفارق فيشتركان فى أنهما دائمان لموضوعاتهما؛ وقد كان يجب أن لاينسى هذه المشاركة بين النوع وبين العرض الغيرالمفارق. ويختلفان بأن الخاصة توجد للنوع وحده، والعرض الغير المفارق يوجد لأكثر من نوع كالسواد للزنجى والغراب ويجب أن تتذ كر هذا إذا رجعت إلى ماسلف فى المقاله الأولى. ومباينة أخرى أن الاشتراك فى العرض لايجب أن يكون بالسوية، وفى الخاصة يجب أن يكون بالسوية، وقد عرفت ما فيه. فهذه هى الاشتراكات والمباينات المشهورة التى أوردها أول من أفرد لهذه الخمسة الكليات كتابا، وقد ذكرناها على منهاج ذكره وترتيبه. وجميع ما أورده من المباينات التى ليست مباينة عامة، فيمكن أن يعيرعنه فيقال مثلا: الفصل ليس من شأنه أن يكون كذا، ومن شأن بعض ما هو فى طبيعة العرض مثلا أن يكون كذا، فيكون هذا تحسينا لقوله: "ومع ذلك مستمرا". ولو أنه وفق لكان يورد أولا المشاركات التى بين الخمسة، ثم التى بين أربعة أربعة، ثم التى بين ثلاثة ثلاثة، ثم التى بين اثنين اثنين، وكذلك كان يورد المباينات التى بين واحد وبين أربعة، ثم التى بين اثنين وثلاثة، ثم التى بين كل واحدة وواحدة أخرى خاصة، فيكون قد حفظ ما هو الواجب، ولا يكون قد ترك مشاركة ومباينة هى بين اثنين اثنين منها تركا مهملا، ويذكرهما بين اثنين آخرين، ربما كان ذكره فيما أهمله أوقع وأحسن.
[الفصل الرابع] (د) فصل فى مناسبة بعض هذه الخمسة مع بعض
مخ ۱۰۹