لذلك، وأيضًا فإن ما وجّهوا به هذا القول مبنىٌ عَلَى أن كلّ ما خالف العادة أو الأصل، وكان يغتفر منه اليسير دون الكثير فإنه ينقص من الكثير مقدار اليسير المغتفر فيغتفر، وهذا شيء ذهب إليه بعض الشيوخ، وهو خلاف أصل المذهب، كقولهم فِي زيادة كيل الطعام المشتري عَلَى التصديق ونقصه .. وغير ذلك من الفروع الشبيهة به. انتهى.
وما زلت أستشكله حتى أوقفني بعض الطلبة عَلَى قول أبي عبد الله بن مرزوق فِي " شرح خليل ": لَمْ يزل الطلبة يستشكلون فهم هذا البناء وتنزيل مسألة المستنكح عليه، والذي يظهر أن هذه المسألة عكس هذا الأصل؛ لأن المغتفر (١) هنا ما زاد عَلَى الخاطر الأول وهو الكثير، والذي لا يغتفر وهو الخاطر الأول هو القليل، إلا أن يكون من قياس العكس فيشبه، والطريقة القروية هى التي عند اللخمي، واقتصر عليها ابن عرفة كأنها تفسير فقال: قال اللخمي: والمستنكح يبني عَلَى أول خاطريه، وإلا ألغاه (٢).
وَبِشَكٍّ فِي سَابِقِهِمَا، لا بِمَسِّ دُبُرٍ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ فَرْجِ صَغِيرَةٍ وقَيْءٍ وأَكْلِ جَزُورٍ وذَبْحٍ وحِجَامَةٍ وقَهْقَهَةٍ بِصَلاةٍ، ومَسِّ امْرَأَةٍ فَرْجَهَا، وأُوِّلَتْ أَيْضًا بِعَدَمِ الإِلْطَافِ (٣)، ونُدِبَ غَسْلُ فَمٍ مِنْ لَحْمٍ ولَبَنٍ، وتَجْدِيدُ وُضُوءٍ إنْ صَلَّى بِه.
قوله: (وَبِشَكٍّ فِي سَابِقِهِمَا) حكى سند فيه الاتفاق، وقال ابن عرفة: لو تيقن طهرًا وحدثًا، شكّ فِي أحدثهما فقال ابن العربي: لا نصّ لعلمائنا. وقال إمام الحرمين: الحكم نقيض ما كان عليه، وهو صحيح أقوالنا إلغاء الشكّ فمن كان قبل الفجر محدثًا جزم بعده بوضوء، وحدث شكٌّ فِي أحدثهما فمتوضيء لتيقن وضوئه، وشكّه فِي نقضه ولو كان متوضئًا فمحدث؛ لتيقن حدثه وشكّه فِي رفعه. ابن محرز صوره ست:
" إن تيقنهما وشكّ فِي الأحدث وجب الوضوء. ولو شكّ معه فِي وجودهما فكذلك.
_________
(١) في الأصل: (المعتبر).
(٢) انظر: المدوّنة، لابن القاسم: ١/ ١٢٢، والنوادر والزيادات، لابن أبي زيد: ١/ ٥١، وجامع الأمهات، لابن الحاجب، ص: ٥٨.
(٣) نص المدونة في مس المرأة فرجها: (قال مالك في مس المرأة فرجها: إنه لا وضوء عليها) انظر: المدونة، لابن القاسم: ١/ ٩، والإلطاف هو: أن تدخل (المرأة) شيئا من يدها في فرجها. انظر الشرح الكبير، للدردير: ١/ ١٢٣.
1 / 145