بدين الله من الكبائر.
والاستهزاء هو السُّخرية، وهو: حَمْل الأقوال والأفعال على الهزل واللعب، لا على الجدِّ والحقيقة. والذي يسخر بالناس هو الذي يذمُّ صفاتهم وأفعالَهم ذمًّا يخرجها به عن درجة الاعتبار، كما سَخِرْوا بالمطَّوِّعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم، بأن قالوا: هذا مُرائي، ولقد كان الله غنيًّا عن صاع فلان (^١).
فمن تكلَّم بالأقوال التي جعل الشارعُ لها حقائق ومقاصد، مثل كلمة الإيمان، وكلمة الله التي تُسْتَحلُّ بها الفروج، والعهود والمواثيق التي بين المتعاقدين، وهو لا يريد بها حقيقتها المقومة لها، ولا مقاصدها التي جُعِلت هذه الألفاظ محصِّلة لها، بل يريد أن يرتجع المرأة ليضرها ولا حاجةَ له في نكاحها، أو ينكحها ليحلها، أو يخلعها ليلبِسها = فهو مُسْتهزئٌ بآيات الله، فإن العهود والمواثيق من آيات الله، وسيأتي تقرير ذلك إن شاء الله بالأدلة الخاصة.
وإذا كان الاستهزاء بها حرامًا وجبَ إبطالُه وإبطال التصرفات = عدم ترتُّب أثرها عليها، فإذا كان المستهزئ بها غَرضه إنما يتم بصحَّتها وَجَب إبطال هذه الصحة، والحكم ببطلان تلك التصرفات، وإن كان غرضه اللعب بها دون لزوم حكمها، وجب إبطال لعبه بإلزامه أحكامَها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى إيضاحُه.
_________
(^١) أخرجه الطبري في "تفسيره": (٦/ ٤٣٠).
1 / 31