شعر و فکر: د ادب او فلسفې په هکله مطالعات
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
ژانرونه
ويمكن من جهة أخرى وعلى نحو أعمق مما سبق أن تعتمد القصيدة على الأدوات اللغوية والفنية والإيقاعية لتزيدنا بصيرة بالقيم والعلاقات والدلالات الممكنة على القضايا الكبرى في حياتنا (كالحب والموت والمصير)، بحيث يستحيل التعبير عن كل ذلك بصورة وافية لو تحولت القصيدة إلى عبارات نثرية تشوه بنيتها الأصلية، وتضيع جمالها ورنينها. في هذا النوع الأخير تدخل قصيدتا شيكسبير المسرحيتان «هاملت» و«الملك لير»، وقصيدة كيتس «أنشودة إلى مزهرية إغريقية»، و«الأرض الخراب» أو «الرباعيات الأربع» لإليوت.
فالفلسفة في النوع الأول فلسفة صريحة، و«القصيدة» تأتي بقضايا عامة توشك أن تكون صورة مكررة من القضايا العامة المجردة في تلك الفلسفة. عندئذ لا نستطيع في الحقيقة أن نتكلم عن شعر ولا قصيدة؛ لأن عباراتها قد اتحدت تماما مع الفلسفة، ولأن الجزئيات التي قد تصورها لا تخرج عن أن تكون أمثلة أو رموزا شفافة عن تلك الفلسفة.
بيد أن التعميم هنا غير جائز؛ إذ لا يخلو الأمر من قصائد فلسفية صريحة نجحت في أن تنقل إلينا فلسفة معينة، وأن تبقى في نفس الوقت شعرا جيدا. فقصيدة لوكريس السابقة الذكر تنجح في بعض أجزائها في التأليف بين الفلسفة والشعر باللجوء إلى وسائل شعرية لا منطقية، واستخدام لغة الأفكار والآراء الكامنة فيها وتضفي عليها حيوية. إن «طبيعة الأشياء» تعبر كما نعلم عن المذهب الذري عند ديموقريطس وأبيقور، ولكنها تحييه وتنفخ فيه الدفء بصور لا ننساها مثل صورة الاستحكامات الملتهبة للعالم أو روابط الحب التي تشد فينوس بها الذرات بعضها إلى بعض. وهذه الروابط التي تعبر عنها كلمة،
Foedus
وجمعها
Foedera
توحي بمعنى القوانين الرومانية الصارمة التي كان الرومان يلتزمون بها، ويقسمون على طاعتها والخضوع لها، أكثر مما توحي بمعنى الضرورة الآلية العمياء التي فرضها ديمقريطس على ذراته. وهكذا تعبر الصورة السابقة عن خشوع الشاعر في حضرة الكون، ورهبته لجلاله، وإشادته بالروابط التي تباركها ربة الحب. وهذا ما يتجلى في أول بيت تتفتح به تلك القصيدة: «إيه يا أم جنس إينياس، يا من تثيرين الرغبة في البشر والآلهة.» وينجح هذا البيت الأول في إضفاء النغمة الرومانية على القصيدة المعبرة عن فلسفة إغريقية، والإهابة برمز أو نموذج أولي راقد في أعماق اللاوعي هو فينوس الأنثى التي تؤلف بين قلوب المحبين، والأم التي تنتج الحياة الكونية وتحافظ عليها.
ربما يعزز ما قلناه عن التمييز بين الفلسفة الصريحة والفلسفة الكامنة في القصيدة أن نورد التفرقة التي أقامها الشاعر الناقد ت. س. إليوت - في مقاله المشهور عن دانتي - بين الوضوح العقلي والوضوح الشعري، بين المعتقدات الفلسفية من ناحية والتصاعد والسمو الشعري من ناجية أخرى. فالموقف الاعتقادي الذي يتخذه القارئ من الكوميديا الإلهية لدانتي لا بد أن يكون مختلفا عن الموقف الذي يتخذه من المجموع اللاهوتي لتوماس الإكويني أكبر فلاسفة العصر الوسيط، على الرغم من أن المعتقدات الفلسفية واحدة في كلا العملين. والسبب في هذا أن الكوميديا قد بنيت - على العكس من المجموع اللاهوتي - على أساس «منطق للحساسية» يمثل «سلما كاملا يعبر عن العواطف والانفعالات البشرية من أدناها إلى أعلاها». لهذا لا ينفصل السمو الشعري عند دانتي - الذي يعكس موقفه الاعتقادي بأكمله - عن الصور والأخيلة التي لم تعد عنده مجرد صيغ بلاغية عتيقة، بل صارت وسائل وأدوات عملية جادة لإبراز الجوانب الروحية في صورة مرئية.
2
هكذا نرى أن القصيدة الشعرية يمكن أن تنطوي على فلسفة كامنة، وأن تعبر عن الحقائق الكبرى في الكون والحياة من خلال طبيعتها الشعرية الخاصة. وأول من صرح بهذا الرأي هو أرسطو في عبارته الشهيرة التي ذكرناها من قبل: «إن الشعر أكثر تفلسفا من التاريخ؛ لأن الشعر يتعامل مع الكليات، والتاريخ يتناول الجزئيات».
ناپیژندل شوی مخ