شعر و فکر: د ادب او فلسفې په هکله مطالعات
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
ژانرونه
هبط الإنسان على سطح القمر مرتين.
وكان من حظنا - نحن أبناء هذا الزمان - أن نشهد تجربة رائعة ومخيفة في آن واحد. رائعة لأنها لا تقل في معناها عن غزو المحيطات في القرن الخامس عشر أو اكتشاف القارة الجديدة، أو الوصول إلى القطبين، أو الطيران في الفضاء. ومخيفة لأن هذه الانتصارات كان لها أثر كبير على حياة البشر؛ إذ وسعت المجال الذي يعيشون فيه، ويتنفسون ويزرعون ويحصدون ويستمدون الطاقة والغذاء، بينما الهبوط على القمر لا يمثل حتى الآن أكثر من انتصار علمي لا ندري هل ستكون نتيجته خيرا أو شرا على الإنسانية. ومن سوء الحظ أن الجهاز الضخم الذي تولى إطلاق الصاروخ والمركبة القمرية لم يرسل مع روادها شاعرا ولا فيلسوفا ليعبر لنا عن عواطفه وأفكاره، وهو يخطو على سطح ذلك الكوكب الهادئ الشاحب الجميل، ومع ذلك فلا شك عندي أن رواد الفضاء سألوا أنفسهم وهم يطئون بأقدامهم أرض القمر عن مصير أرضهم وجنسهم الذي يعيش ويتصارع عليها.
ولا شك عندي أيضا أنهم في قمة فرحتهم واعتزازهم بهذا النصر العلمي قد سألوا أنفسهم بشكل واضح أو غامض هذا السؤال الذي يؤرق زميلا لهم على الأرض يشغل نفسه بالتاريخ وفلسفة التاريخ: ماذا بعد؟ وإلى أين يسير العالم؟
والسؤال يرتبط بتاريخ البشرية العام، بهدفه ومصيره ومعناه. وليس أحق منا - نحن أبناء القرن العشرين الذين نعايش صراعا عالميا لم يسبق له مثيل أيضا - ليس أحق منا بطرح هذا السؤال الذي يتصل بمستقبل الجنس البشري على الأرض. والكلام عن تاريخ البشرية العام ومصيرها ليس مجرد كلام عن «يوتيوبيا» خيالية أو فرض علمي جذاب أو حلم جميل عن السلام. إنه ينبع من شعور عام يشترك فيه العالم والمؤرخ مع رجل الشارع الذي يقرأ الجريدة اليومية، أو يسمع الأخبار كل صباح ومساء. ففي الوقت الذي بلغ فيه العلم والتقنية (التكنيك) ذروتهما، وتطورت سرعة المواصلات ونقل الأنباء إلى حد مخيف، وتكاثر عدد السكان حتى وصل أو كاد إلى درجة الانفجار، وازداد في مقابل ذلك ضحايا الجوع أو المهددين به في وقت قريب أو بعيد، ووصلت الحرب الباردة أو الساخنة إلى مأزق لا يدري أحد كيف يكون المخرج منه، وتعددت التجارب النووية، حتى صارت أخطارها حديث كل يوم، وبلغ تأثير الإعلام والدعاية النفسية وغسيل المخ درجة تنذر بالقضاء على شخصية الفرد، وقدرته على النقد واستقلال الرأي، وكثر كذلك الكلام عن واجب التربية والمربين وأصحاب العلوم الإنسانية في إنقاذ حرية الإنسان وخلقه وتراثه أمام هذا الطوفان - في هذا الوقت المضطرب العصيب يزداد شعور البشر بطبيعة الحال بارتباط مصيرهم على هذه الأرض، وتصبح مسألة البقاء أو الفناء مسألة يطرحها الناس على أنفسهم كل يوم كما قلت - سواء في ذلك العالم الذي يشترك في صنع وتصميم القنابل والصواريخ، أو الخباز الذي يصنع رغيفنا اليومي، أو الأم التي ترضع طفلها الصغير، أو المفكر الذي يسأل عن معنى التاريخ. إن هذا المفكر يعلم أنه يجب عليه أن ينظر في الماضي والحاضر والمستقبل - لا لكي يخرج بفلسفة أو نظرية جديدة، بل لكي يوقظ الوعي بالأخطار التي تهدد الناس، ويجعل من السؤال عن معنى التاريخ العام مسألة تهم كل الذين يعيشون معه. إنه يجمع لهم حقائق الماضي، ويعرض عليهم أزماته وكوارثه ليفكروا معه في مخرج من الموقف الحاضر، هل يكون في عقيدة واحدة أو فكرة واحدة أو حكومة عالمية واحدة؟ هل يكون في مجتمع أخير تنتهي فيه كل تناقضات المصالح والطبقات كما قال «ماركس»، أم في الوصول إلى الشول والتكامل الذي تهدف إليه كل تربية إنسانية صحيحة كما قال «شيلر» وغيره من أصحاب النزعة المثالية؟ - وليس الحل هو المهم؛ لأن وظيفة المفكرين ليست هي إيجاد الحلول، بل المهم هو إيقاظ الضمير على وحدة البشر - وحدتهم من حيث الطبيعة والعقل، وحدتهم الباقية وراء اختلاف الديانات والحضارات والأجناس والمذاهب والألوان، وحدتهم من حيث النوع البشري نفسه، الذي تشغله الآن مشكلة واحدة: هل يبقى أم يفنى؟ هل يوجد أو لا يوجد؟ •••
إلى أين يسير العالم؟
سؤال ينصب على المستقبل. والمستقبل ابن الحاضر. والحاضر لا يفهم إلا من لحظات أخرى كانت حاضرة ثم انقضت، أي من الماضي. فلنرجع إلى الوراء قليلا «وهو قليل بالنسبة لعمر الحياة، بل لعمر الإنسان نفسه على الأرض.» «كل تاريخ فلسفة، وكل فلسفة تاريخ.» عبارة قالها هيجل، ولكن أليس من التهور أو الطموح الشديد أن نبدأ بهيجل؟ فلنكن أكثر تواضعا، ولنحاول أن نبدأ من البداية، من الجذور.
ليست «فلسفة التاريخ» بالكلمة القديمة. إنها ترجع للقرن الثامن عشر، وتنسب فيما أعلم لفولتير. غير أن الموضوع الذي تدل عليه أقدم من ذلك بكثير. وإن شئنا الدقة قلنا الموضوعات؛ لأن الكلمة توحي بأكثر من معنى، وأكثر من قضية ...
ما من أحد يتصدى لكتابة التاريخ لمعاصريه أو للأجيال اللاحقة إلا ويفعل ذلك عن قصد أو غير قصد في إطار فلسفة معينة، ومهما حاول أن يكون علميا وموضوعيا في تقريره للحوادث، فلا بد أن يواجه أسئلة ومشكلات تتجاوز حدود العلم، أسئلة ومشكلات عامة بطبيعتها، لا يمكن الإجابة عليها إجابة قاطعة، ومع ذلك فلا بد من مواجهتها لفهم التاريخ وموقف الإنسان: ما المصادفة وما الضرورة؟ هل هناك قوانين تحكم التاريخ؟ هل يعيد التاريخ نفسه؟ أيمكن التنبؤ بالأحداث قبل وقوعها؟ ما أثر الدور الذي قام به بعض الأفراد وهل ننسبه إليه أم إلى عصرهم؟ إلى أي مدى يمكننا أن نقارن عصرا بعصر وتطورا بتطور؟ ما الحرب؟ ما الثورة؟ ما الأزمات؟ كيف يؤثر الاقتصاد والحضارة والأديان والسياسة على مسار التاريخ، وكيف تؤثر هذه القوى على بعضها البعض؟ أسئلة كثيرة لا يستطيع المؤرخ أن يتجنبها، ولأنه لا يستطيع أن يتجنبها فلا بد أن يجد نفسه على حدود الفلسفة. ولأنه لا يريد أن يصبح فيلسوفا، بل يحب أن يظل مؤرخا، فلا بد أن يجد نفسه على حدود فلسفة التاريخ.
وهو يفلسف التاريخ أيضا كلما أعاد النظر في منهجه، وكلما سأل نفسه: ماذا يمكنني أن أعرف وبأي طريقة أعرفه؟ ماذا أستطيع أن أعرف على وجه اليقين؟ وماذا يخرج عن هذه المعرفة؟ ما الذي يستحق أن أبحث عنه؟ وما الذي لا يساوي جهد البحث؟ أي كلما وضع علمه كله موضع السؤال، وحاول أن يقيمه على أساس وطيد. قد نستطيع أن نسمي هذا نظرية المعرفة في علم التاريخ - ونظرية المعرفة فرع من فروع الفلسفة ... ومعرفة التاريخ أو نقده شيء لم يقم به الفلاسفة المتخصصون وحدهم - مثل ابن خلدون وفيكو وهيجل وكروتشه - بل قام به كذلك كثير من المؤرخين.
وأخيرا نصل إلى المعنى المألوف من فلسفة التاريخ. إنها مجموعة الآراء والأفكار التي تتأمل تاريخ الإنسان ككل ، سره الخفي، سياقه، حركته، قوانينه، القوى التي تتحكم في سيره. بهذا المفهوم تكون فلسفة التاريخ فلسفة بالمعنى الدقيق، فكرا يتأمل الإنسان والعالم، لا لأجل التأمل، بل لأن تاريخ الإنسان أو وجوده في الزمان وتغيره وتطوره عنصر أساسي في بناء كيانه. من هنا يصبح لفلسفة التاريخ معنى شامل. ومن هنا نجدها تنشأ غالبا في عصور القلق والأزمات والاضطرابات. إنها تريد عندئذ أن تفهم الحاضر - سواء اعترفت بذلك صراحة أو لم تعترف به - وربما تحاول أن تتنبأ بالمستقبل، فترجع إلى الماضي كله لتسأله عن متاعب هذا الحاضر، وما الحاضر إلا ابن ذلك الماضي. هكذا فعل هيجل، وفلسفته في التاريخ أعمق الفلسفات وأغناها. لقد رأى عصره - عصر الثورة الفرنسية ونابليون - يمر بأزمة لم يسبق لها نظير، واستنتج من هذه الأزمة نتائج طبقها على الماضي كله، فكانت فلسفته في التاريخ فلسفة الأزمات. ويصدق هذا على كارل ماركس ويعقوب بورخارت، وكلاهما - على ما بينهما بالطبع من اختلاف - مفكر أزمات. كما يصدق أيضا على أزفالد أشبنجار الذي وجد في الحرب العالمية الأولى أزمة تشبه الأزمة التي وجدها هيجل في حروب نابليون، وعلى أرنولد توينبي وما رآه في حربين عالميتين. وهو ينطبق كذلك على ذلك القديس الأفريقي الذي نستطيع أن ننظر إليه نظرتنا إلى فيلسوف للتاريخ، على القديس أوغسطين. لقد شعر أنه يحيا في عصر مضطرب حافل بالأزمات الخطيرة، ومن هذا الشعور نشأ كتابه المعروف عن مدينة الله.
ناپیژندل شوی مخ