شعر و فکر: د ادب او فلسفې په هکله مطالعات
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
ژانرونه
وعبر «هيجل» عن هذه الأفكار أفضل تعبير حين قال على طريقته: «إن وجود الأشياء المتناهية، من حيث هو كذلك، ينطوي على بذرة الفناء يوصفها وجودها في ذاته، فساعة ميلادها هي ساعة موتها.»
وسرت نغمة الوجود للموت في فلسفة الوجود المعاصرة مسرى النار في الهشيم، تغذيها فظائع حربين عالميتين، وأخطار حرب متوقعة في كل لحظة، وأهوال الظلم والعسف التي تثقل على صدر عالمنا البائس.
غير أن هناك صوتا قديما لم يقدر له الارتفاع فوق هذه الأصوات الناعية المكتئبة، وإن لم يكن أقل منها حرارة ولا صدقا، صوت لا يوافق على أن الموت هو الرعب الجاثم فوق صدر الطبيعة، ولا يملأ القلوب بالقلق والقتامة، ولا يزعم أيضا أن الموت هو المحرر الأكبر الذي يفتح لنا أبواب السعادة الأبدية. فليس الماضي في رأيه عدما، ليس شيئا فات وانقضى إلى غير رجعة، ولم تبق منه - إن بقي شيء - سوى آثاره، وإنما هو عنده كيان مقدس، لا يقل في الوجود عن الحاضر أو المستقبل.
إنه يعبر عن تجربة القدماء والأسلاف بأن الأجداد حاضرون في الأحفاد، وأن الماضي ترفعه الذكرى وتصفيه وتعلي قدره.
فالموت وكل ما مات يبعث في النفس الخشوع. وربما صور لنا العلم أو ما نتوهم أنه علم أن ما نسميه بعبادة «الموتى الأسلاف» شيء تفسره حاجة الإنسان وعجزه وخوفه ووحدته في هذا الكون، ولكن الشهادة التي يقدمها تاريخ الشعوب من آلاف السنين أقوى من كل دليل. فكم من أساطير وكم من عادات وتقاليد عريقة قامت على وجود أولئك الذين عبروا بوابة الموت، وهو وجود رفيع القدر لا يقاس به وجود الأحياء.
صحيح أن الأسلاف عند من نسميهم بالشعوب البدائية أو الفطرية قد ماتوا وذهبوا، ولكنهم كأموات لا يزالون موجودين وجودا واقعيا يفوق كل وجود. إنهم يرجعون إليهم في كل احتفال، ويهيبون بهم في كل موقف تكشف فيه الحياة عن أعماقها الأصيلة في الموت والميلاد والزواج، في الزرع والحصاد، والخصب والجفاف. هم الغائبون الحاضرون على الدوام، وجوههم تطل عليهم، وأصواتهم تباركهم وتشد أزرهم، أو تلعنهم وتحذرهم.
هل نحن بحاجة إلى شواهد عن هذه العقيدة الأصلية التي تستند إلى التجربة الأولى للإنسان؟ هل يكفي أن نذكر أسماء الأبطال وهم حالة واحدة من حالات الفناء الذي يسري قدره على كل الأشياء وينقلها إلى وجود آخر هو الذي نسميه الماضي؟!
أليس هذا وجودا ساميا رفيع القدر، يصل عند بعض الشعوب إلى رتبة الوجود الإلهي نفسه، وإن لم نكد نفهم عنه اليوم شيئا، نحن الذين نحيا على السطح، ونلهث وراء المنفعة، ونكبر من شأن العقل الذي يحسب ويقيس ويغفل عن نبض الواقع الذي اتصل به قلب الإنسان منذ القدم؟!
ألا يكفي أن ننظر لحياة الفلاح المصري والعربي، وحياة الكادحين في بلاد النهرين لنرى كيف يحددها ويسيطر عليها وجود الآباء والأجداد والأولياء، بل قبورهم التي لا يكفون عن زيارتها والتبرك بها؟
عرفت أساطير الإغريق عالم الموت السفلي، ونسب شاعر الأوديسة للأموات وجودا في «هاديس» أقرب للظلال، وإن يكن وجودا على كل حال؛ لأن الحياة الحقة عنده وعند سائر اليونان هي الحياة تحت الشمس.
ناپیژندل شوی مخ