166

شعر و فکر: د ادب او فلسفې په هکله مطالعات

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

ژانرونه

ولما كان الوجود - بوصفه حضورا - إنما يعني الإنسان ويخاطبه، فإن جوهر الإنسان يقوم على الاستجابة له والإنصات لندائه، كما يعتمد على الدخول في المجال الزمني ذي الأبعاد الأربعة الذي يتم فيه الحضور، أي يتحقق العطاء والتسليم.

ومعنى هذا أن الإنسان مرتبط بالحدوث؛ إذ فيه وحده يعطي الوجود والزمان. بل هو الذي يعيد الإنسان إلى ماهيته وحقيقته، ولا بد له في سبيل هذا أن يتلقى حضور الوجود؛ لأنه يعنيه وحده، وأن يدخل كما قلنا في مجال «التسليم» الذي هيأه الزمن الحقيقي الموحد ذو الأبعاد الأربعة.

هكذا ينتمي الإنسان انتماء أصيلا للحدث، ففيه وحده يعطي الوجود والزمان. ولأن هذا الانتماء يعتمد على ما يقوم به الحدث من تأصيل (أو توحيد)، فإن الإنسان يتصل بالحدث عن هذا الطريق.

بهذا يؤكد هيدجر أننا لن نستطيع أن نضع الحدث، كما لو كان شيئا يواجهنا مواجهة الشيء أو الموضوع. ولن نستطيع أن نتصوره، كما لو كان هو الشامل المحيط بكل شيء. ولهذا أيضا يعجز العقل المفسر عن بلوغه، كما يخفق القول المعبر بالقضايا المألوفة عن الوصول إليه.

هل استطعنا أخيرا أن ندرك طبيعة الحدث؟ هل ساعدنا النظر إلى الوجود «وقدره» والزمن «وتسليمه» على بلوغ معناه؟ هل اقتنعنا بما يفرضه على الإنسان من واجب ومسئولية؟ أم تمخض الأمر كله عن بناء فكري كسائر الأبنية التي يزخر بها تاريخ الفلسفة؟ وإن هذه الأسئلة جميعا تفترض أن الحدث لا بد أن يكون موجودا كسائر الموجودات. والتسليم بهذا الفرض المعكوس أشبه بمحاولة اشتقاق المنبع من النهر! إن الحدث ليس «موجودا»، فأقصى ما يمكن قوله عنه إنه يحدث. قد تبدو هذه العبارة مجرد تحصيل حاصل. ولو حاكمناها بمقاييس المنطق لما قالت شيئا، حتى إذا جعلناها موضوع التفكير والتأمل تبينا أنها لا تقول جديدا، وإنما تعبر عن شيء قديم قدم الفكر الغربي نفسه، شيء منطو فيما اصطلح الإغريق على تسميته «الأليثيا» أي الحقيقة بمعنى تجلي الوجود وتكشفه من طوايا التستر والاحتجاب. والتأمل في هذا المعنى الأول لا يزال يلزم كل تفكير جاد.

بهذا يكون هيدجر قد حاول التفكير في الوجود بعيدا عن الاهتمام بالموجود، بعيدا عن الميتافيزيقا التي ما فتئ يبذل المحاولة تلو المحاولة لقهرها وتخطيها؛ لكي يمهد للتفكير في الوجود نفسه. ولعله في هذه المحاضرة المتأخرة عن «الزمان والوجود» قد نفض يديه من الميتافيزيقا، وجرب أن يفكر في الوجود نفسه «وحدوثه»، أو حضوره وظهوره في الزمان. وهكذا وجد نفسه مضطرا للتخلي عن أرض الميتافيزيقا وطرح لغتها، والبحث عن لغة أخرى تعذب في تطويعها للتعبير وعذبنا معه! لقد أخذ يزيح العقبات عن طريقه وبقيت العقبة الكبرى التي لم يقو عليها، إذ اضطر للكلام بالعبارات والقضايا التقليدية عن موضوع لا تصلح له ولا يصلح لها؛ لأنه ليس في الحقيقة موضوعا، بل هو الأساس لكل موضوع. •••

عرضنا فيما سبق رأي فيلسوف معاصر، لم يمض على موته أكثر من عام، عن الحاضر والحضور. ولا شك أنه متصل بفلسفة صاحبه عن الوجود، كما ينطوي على قدر غير قليل من التعسف والغموض. وهو لم يصادف على كل حال ما يستحقه من عناية واهتمام، لا سيما من أصحاب العقل الذين يعولون عليه في شئون الحساب والقياس والتقدير.

لقد آمنت الأجيال السابقة كما يؤمن الجيل الحاضر بأن العلم الطبيعي والفلسفة المرتبطة به هما وحدهما القادران على الكشف عن جوهر الأشياء، وتحديد إمكانات التجربة، أي إن العقل الذي يحسب ويقيس هو وحده القادر على كشف معنى الواقع. ولا شك أن معهم الحق في هذا ما بقوا في مجال العلم والعمل وتصريف شئون التقدم والمعاش.

غير أن الإنسان كان يحس على الدوام بعالم آخر مختلف تمام الاختلاف تحرك شخصياته وصوره الوجدان، ويضفي على الوجود كله كرامة وجلالا ومجدا يعجز عنه البحث العلمي، ولا يكاد يعرف عنه شيئا.

ذلك هو عالم «الشعراء» وعالم «الأساطير» و«الطقوس» عند الشعوب القديمة والشعوب الفطرية.

ناپیژندل شوی مخ