شعر شعبي فولکلوري
الشعر الشعبي الفولكلوري: دراسة ونماذج
ژانرونه
قرابة ثلاثين عاما قضيتها جامعا وباحثا ودارسا لهذه المجموعة من المأثورات الشعبية والفولكلورية الشعرية؛ من مواويل ورباعيات ما بين حمراء وخضراء، أو تلخيص العالم بانقسامه الثنائي ما بين مواويل تتغنى بالأوجاع والآلام وضغوط الحياة ومأساويتها الملتهبة، وبين النقيض «الأخضر» للحب والعشق والتغني عامة بالحياة ومباهجها.
سنوات إثر سنوات ومادة هذا الكتاب تواصل تراكمها وأنا أعيد قراءتها، محاولا إخضاعها لتصنيف ما دون جدوى، برغم تكرار موضوعاتها التي لا تخرج عن التحدث ومعالجة عدة مأثورات أو موضوعات أو «موتيفات» محددة لا تعدو العشرة؛ ما بين الخسيس والأصيل، والردي أو الرديء، والمواجع والتوجع بالأمراض والعلل أو المعلولين، وكذا البين مرادف الدهر والزمن والدنيا والأيام وتقلباتها.
أضف إلى هذا الصداقة وتمجيد الأصدقاء والرفقاء وكاتمي الأسرار والمدارين عن العيوب والعلل والنواقص.
يضاف إلى هذا مواويل الحب الأخضر، والتغني بالمحبوبة والرفيقة، والكشف عن دفائن أمراض العشق، والتغني بجماليات المرأة وجسدها، والتعبير الصريح عن رغبات الجنس، بلا حياء برجوازي ملفق ومفتعل.
كانت تتملكني طاقاتها الشعرية، وعمق معانيها الخشنة المتفجرة الخصوبة والأبعاد، لكني في معظم الحالات والليالي كنت أقف عاجزا بإزائها، كيف يمكن إعادة الكتابة عنها؛ عن موسيقاها وإيقاعاتها الدفينة التي يقصر إلى جانبها قامة أي شعر - كلاسيكيا كان أو شعبيا - ينتسب لشاعر فرد بعينه؟
فهنا نحن بإزاء شعر الجماعة الذي صمد وامتحن أمام عصور إثر عصور، إلى أن اكتسب بصموده متجاوزا معوقات الاندثار وموانع اللاتواصل، إلى أن وصلنا بحالته هذه، بإيجابياته وسلبياته الخادعة المغيبة بالقطع، لكل حس تطوري بروليتاري، برغم أنه المعادل الأكثر توافقا وتعبيرا عن قائليه من فلاحين وفواعلية وعمال تراحيل وندابات محترفات وأناس تطحنهم عللهم ومواجعهم، أي البروليتاريا.
إلا أنها بروليتاريا مفتقدة على طول عصور التضليل التاريخية لقواها الخالقة المبدعة في اتجاه الثورة والتغيير لواقعها هذا الماثل المشبع بكل ظلم اجتماعي طبقي وأمراض واغتيالات يومية، وحديث عن الموت والندب الذاتي لا ينضب ولا يكل. كل هذا دون إدراك وتبصر بحقيقة الحياة الجوهرية، وما يعتمل فيها من مغالطات وتدليس، مصدرهما الواقع الاقتصادي والاجتماعي الجاثم المتخلف إلى حد توارث بعض البقايا - لعلاقات الإنتاج - العبودية إلى أيامنا جنبا إلى جنب مع الإقطاعية.
والتساؤل المقابل هنا هو كيفية وعي البشر من جماهير هذه الأشعار بواقعهم وإمكانياتهم وإرادتهم في تملك نواصي واقعهم المغرق في الكوارث والعلل، وبيع الإنسان «المنتج» في أسواق النخاسة.
فالفرد الواقعي هنا سجين بحق لقوى خارجية تقهره على الدوام، وهي قوى لا تبعد عن أوهام ذلك الكائن الخرافي الجاثم المنكل على الدوام بدوره «البين وعياله»، الذي ستصادفنا مأثوراته الدامية على طول هذا الكتاب، وكذا بقية القوى الوهمية للزمن والدنيا والزهر والبخت.
وجميعها هنا تتوحد بالآلهة في أنها «تهب الرزق لمن تشاء بغير حساب»، كما تهب الجروح وأحط العلل والجوع المذري لمن تشاء في ذات الآن.
ناپیژندل شوی مخ