ظاهرة الانتكاس عند الشباب
بعض الشباب عنده شيء من التدين والاستقامة ولكن مثل علب الجبن والمربى تاريخ الصلاحية منتهية، متدين لمدة سنتين بعد سنتين تلقاه متسكعًا، وهذه مشكلة كثير من الشباب، أنه يومًا من الأيام كان من خيرة الشباب والآن تكاد ترجوه أن يشهد الصلاة مع الجماعة فلا يشهد، فهل وُجِد للتدين تاريخ صلاحية؟! نعم وُجِد عنده تاريخ صلاحية للتدين، من أين جاء تاريخ الصلاحية في التدين؟! فساد البدايات، (من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة) لما كانت البداية فيها خلل ودخن، فيها خور وضعف، فيها حماس وعاطفة من دون علم ومن دون اجتهاد، التزام لمدة سنتين وانتهت مدة الصلاحية وانتهى الموضوع.
بعض الشباب عهدك به كذا ثم تقابله حليقًا، عهدك به كذا ثم تجده -والعياذ بالله- في منتهى ألوان المعاصي، بل وتجده مصرًا ولا يعترف بالتقصير ولا يفكر أن يتوب، ما الذي غيره؟! ما الذي أصابه؟! هل نام متدينًا فأصبح فاسقًا؟! هل أصبح صالحًا وأمسى مجرمًا؟! لا.
لكن هناك أمور ينطوي عليها بعض الشباب في سلوكه، ولا يعلم كالانحراف في المباني الطويلة، الآن عمارة المملكة أو العمارة الخيرية الطويلة التي في شارع الثمانين، لو يوجد انحراف سنتيمتر واحد في القاعدة في الدور رقم (٣٥) أو (٤٠) تسقط، قد لا تسقط في الدور الأول، ولا يظهر الميل والانحراف في البناء في الدور الثاني ولا الثالث ولا الرابع ولا العاشر لكن في الدور رقم كذا، فكذلك بعض الشباب قد يقع في انحراف، منهم مَن أساسه فيه ميل قوي لكنه غير ظاهر ثم ينحرف سريعًا، سنة سنتين وينتهي، والبعض ثلاث سنوات.
يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، نسأل الله بمنه وأسمائه وصفاته أن يثبت قلوبنا على طاعته.
أقول: من مشكلات الشباب: عدم البركة عدم الإنتاج عدم العمل، أيضًا محدودية تاريخ الصلاحية، أو كمسحة طبية قد كُتِب عليها: صالحة للاستعمال لمرة واحدة فقط، بعض الشباب يمكن أ، يقرأ كتابًا واحدًا وكفى، ربما يحفظ سورة واحدة وينتهي، جزء واحد وينتهي، دورة علمية واحدة وينتهي، لا يشعر أنه سيستمر في الطلب تلميذًا، ويستمر في الدعوة داعية، ويستمر في التعليم معلمًا، ويستمر في الصدقة متصدقًا، ويستمر في المشاركة منتجًا معلمًا، في أي مجال لا بد أن تستمر.
كثير من المسلمين اليوم تقول له: يا أخي! المسلمون في كل مكان، المسلمون في كشمير، المسلمون في كذا، قال: يا أخي! أنا تبرعت لـ أفغانستان وانتهت القضية، فعلًا صالح للاستعمال لمرة واحدة فقط.
فأنا أقول لهؤلاء الشباب: اتقوا الله في أنفسكم، واعتنوا بالبدايات فإنها مهمة.
وكل امرئ والله بالناس عالمٌ له عادة قامت عليها شمائلُهْ
تعوَّدها فيما مضى من شبابه كذلك يدعو كلَّ أمرٍ أوائلُهْ
نحن الآن في مرحلة الذي دنا من الأربعين يتذكر أيامًا كان عمره فيها ثمان عشرة أو تسع عشرة سنة يقول: يا ليتني ضاعفتُ الجهود في تلك السنوات، قبل أن أُبْلَى بالزوجات والأعمال والمسئوليات والتربية والواجبات الوظيفية، والمهمات الرسمية، وو إلى غير ذلك، الكثير منكم قادر على أن يتفرغ وهي فرصة جميلة، بل إنك تجد نفسك أغلب جوانب العطاء والقدرة على البذل دعويًا وفكريًا وعلميًا وثقافيًا هي من حصيلة أيام الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، والخامسة والعشرين، والثلاثين، وغيرها؛ لكن لما كبر الإنسان، وتقدمت به السن وتحمل مسئوليات وغير ذلك يكون العطاء أقل من ذي قبل؛ لكن المهم أن تستمر في العطاء، لكن مشكلتنا مشكلة الذي أعطى مرة واحدة وتوقف: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى﴾ [النجم:٣٣ - ٣٤] أعطى لنا قليلًا ووقف.
يا أخي الحبيب! لماذا تعتبر نفسك كأي منتج غذائي قد كُتِب عليه تنتهي الصلاحية في عام (١٤٢٢هـ) بعض الشباب يظن أن تركه للمعاصي يكفي، لا.
لا بد مع ترك المعاصي أن تفتح صفحات بل مجلدات لتهذيب النفس وطلب العلم والمجاهدة والدعوة إلى الله.
أحد الشباب الذين تركوا الفن ذات يوم كنا معه في مجلس وكان معجبًا لثناء الحاضرين عليه أنه ترك الفن، قلت له: أخي الحبيب! لاحظ ترك الفن فقط هي إزالة للحدث، أما الوضوء فلم تتوضأ بعد، الآن واحدٌ نريد أن نأمره ليصلي، ثم قال: عن إذنك، أنا أريد أن أذهب -أجلكم الله والسامعين بالعبارة العامية- أريد أن أذهب لأطيِّر الشرر.
ذهبَ وطيَّر الشرر، رفع الحدث أزال الحدث هل كونه أخرج البول من جسده واستجمر بعد ذلك أو استنجى هل هذا كافٍ للصلاة؟ أجيبوا لا.
لا يكفي، ما الذي بقي عليه؟ بقي الوضوء، كذلك تركه للفن كرفع الحدث وإزالة الخارج من الدبر أو القبل؛ لكن بقي الوضوء، أن تسبغ على نفسك العمل الصالح كما تسبغ الماء على أعضائك بالوضوء، أن تسبغ على نفسك العمل والعلم والعبادة والمجاهدة والصبر والدعوة والاستقامة هذا هو الأمر المطلوب، فكثير من الشباب يقول: الحمد لله، أنا كنت فنانًا، وتركت الفن وانتهت القضية، لا.
ما انتهت القضية، أمامك مشوار طويل، ولكن خذ هذا المشوار بهدوء.
9 / 11