وجود الغيرة لدين الله
أيها الأحبة: أوان الشروع في المقصود بدأ، وأقول بتوفيق الله: الغيرة موجودةٌ لدى كثيرٍ من الشباب الصالحين، وحسبك أن ترى دليلًا على الغيرة، أن تجد من يطرق بابك، يكاد أن يكسر أقفاله، فإذا سمعت هذا الطرق الشديد، ظننت أن حريقًا حل بواحدٍ من بيوت أهل الحي، وإذا أزعجك تعليق المنبه ظننت أن الأمر قد انتهى، وأن الكيل قد طفا، وأن الطوفان قد فاض على البسيطة، فإذا فتحت بابك وجدت شابًا غيورًا مخلصًا صادقًا يهز يده في وجهك ويقول: رأيت منكرًا في مكان كذا، ورأيت منكرًا في مكان كذا، أين المغير؟ أين المنكِر؟ أين من يقول كلمة الحق؟ أين من يتقي الله؟ أين من ينطق بالحق فلا يخشى في الله لومة لائم؟ فحينئذٍ تحمد الله جل وعلا.
وما أكثر أن ترى هذه الصورة في مسجدك أو في بيتك، أو في اجتماعك مع إخوانك، تحمد الله جل وعلا على أن الغيرة لا زالت باقية، وهذا دليل حياة القلوب، وإلا لو كانت القلوب قد ماتت في مجموع الأمة لما وجدت من ينزعج من هذه الصورة، ومن هذه الحال؛ لأن الهوان إذا حل بالنفس لا تجدها تعرف معروفًا، أو تنكر منكرًا:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميتٍ إيلام
فالحاصل أيها الإخوة! أن الغيرة موجودة لدى كل واحد منكم، التمعُّر، الغضب، الانزعاج، التقلب، التغير موجودٌ لدى كل واحد منكم حينما يرى منكرًا من المنكرات، وكما في الأثر: "يكاد في آخر الزمان يذوب قلب المؤمن، كما يذوب الملح في الماء، قيل: لِمَه؟ قيل: مما يرى من المنكر فلا يستطيع تغييره" وهذا والله شعورٌ يطوف ويلم بكل واحدٍ منا ومنكم -أيها الأحبة! - ولكن ليبتلي الله ما في قلوبكم، وليمحص ما في صدوركم، وليتخذ منكم شهداء، ليثبت الذين يرجون الحب والإخلاص للدعوة، والذين يرجون منازل الدعاة، ومجاورة النبي ﷺ في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.
8 / 3