Sheikh Abdul Hay Yusuf's Lessons
دروس الشيخ عبد الحي يوسف
ژانرونه
إنزال الله الطمأنينة والسكينة على قلب المؤمن في الشدائد
الدرس الثالث من دروس الهجرة النبوية: طمأنينة القلب، وسكينة النفس التي يرزقها الله ﷿ عبده المؤمن عند الشدائد، فهذا رسول الله ﷺ -وهو بشركما قال الله ﷿: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الكهف:١١٠]- وهو في الغار، والقوم قد وقفوا على رأس الغار، وأبو بكر ﵁ بحكم بشريته تدمع عيناه، ويرجف فؤاده حذرًا على رسول الله ﷺ، فيقول له النبي ﷺ: (ما شأنك يا أبا بكر؟! قال: يا رسول الله! لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا، فقال ﷺ -تلك الكلمة الخالدة-: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، وخلد الله تلك المقولة في القرآن فقال: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:٤٠].
وهنا قد يحلو لبعض أهل الشغب أن يقولوا: بكاء أبي بكر دليل على ضعف إيمانه.
نقول: لا والله حاشاه ذلك، أولًا: أن أبا بكر لو كان خائفًا على نفسه فلا حرج، فالقرآن الكريم ذكر عن موسى أنه خاف، وموسى نبي مكلَّم، قال الله ﷿ عنه: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص:٢١] أي: من فرعون، وموسى ﵇ قال مثل ذلك لفرعون: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء:٢١].
ثانيًا: والله ما خاف أبو بكر على نفسه، وإنما كان خوفه على رسول الله ﷺ، ودليل ذلك: أن أبا بكر في طريق الهجرة -كما تواترت الأخبار- تارة كان يمشي أمام النبي ﵊، وتارة خلفه، وتارة عن يمينه، وتارة عن شماله، فقال له ﷺ: (ما تصنع يا أبا بكر؟! قال: يا رسول الله! أتذكر الرصد -أن هناك إنسانًا يرصدك- فأمشي أمامك، وأتذكر الطلب -الذي كان يطلبك- فأمشي من ورائك، وأتذكر العدو عن يمينك وعن شمالك، فأمشي عن يمينك وعن شمالك، فقال له ﷺ: يا أبا بكر! أتحب أن ينزل بك المصاب دوني؟! قال: نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله).
ثم لما وصلوا إلى غار ثور قال أبو بكر للنبي ﷺ: على رسلك، فدخل ﵁ وتحسس جبال الغار، فما وجد فتحة إلا قطع من ردائه وسدها، حتى أمَّن الغار، ثم طلب من النبي ﵊ أن يدخل.
أهذا صنيع من يخاف؟! لا والله! ثم لما دخل النبي ﷺ الغار توسد قدم أبي بكر، فلدغته عقرب عدة مرات وهو لا يتحرك من مكانه؛ كراهة أن يؤذي رسول الله ﷺ، فلما استيقظ ﵊ ورأى ما في أبي بكر من الأذى والألم تفل على موضع الألم فكأنه لم يكن.
لذلك ينبغي لنا أن ننزل أبا بكر منزلته وأن نثبت له ما أثبته القرآن من الفضل، فقد أثبت له الصحبة قال تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ﴾ [التوبة:٤٠].
فهناك نبي الله موسى ﵇ قال: ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء:٦٢]، وهنا الرسول ﷺ قال: (إن الله معنا) معي ومعك يا أبا بكر! أسأل الله ﷿ أن يرزقنا الاقتداء بـ أبي بكر، وأن يرزقنا محبته، وأن يوفقنا لنصنع ما صنع.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله.
4 / 6