أجاب بلا وعي: لا شيء ... - أي سخرية أن تتصور الإنسان لقيطا في الكون، تجيء به المصادفة العمياء ثم يندثر بالمصادفة أو العجز!
إنها تذكره بيأسه وهي لا تدري ولكنه يوافقها بحماس قائلا: أحسنت التصوير. - يسرني أنك تطالع كتب العلم بشغف، إنها تؤكد المعنى في كل شيء! - تماما! - حتى المتشكك يسلم بوجود معنى وإن عز عليه إدراكه. - أجل، يسلم على الأقل باحتماله ...
وتأمل قوله بقلق. وازدادت مخاوفه. وغاب عنها وقتا فلم يدر كيف تطرقت إلى موضوع الصلاة، كانت تقول: يستحسن أن تصلي وأنت صائم، ولو شهر رمضان فقط!
أليس لديها اهتمامات أخرى؟ ألا تحب أحاديث النساء؟ لم لا يقاوم؟ هل زاده شعوره بالإثم ضعفا على ضعف؟! تمتم: فكرة مقبولة ...
إنها تحكم الحصار حوله. إذا ولى رمضان فستطالبه بالاستمرار في الصلاة. وستذكره حتما بأن الصلاة لا تتفق وشرب الويسكي في ركن الفردوس. وسيجيء الحج في يوم من الأيام، سوف يتضخم الممثل ضاغطا بثقله المتصاعد فوق الشخص الحقيقي السجين. جعل يلحظها في فترات الصمت فيراها وهي تغمض عينيها إعياء أو تنظر من خلال الزجاج إلى رءوس الأشجار المتوهجة بأنوار المصابيح. حنق عليها. وحنق على داود الناطورجي أيضا. حنق على ضعفه وجبنه. عز عليه أن يتوارى في بيته تاركا الممثل الغريب يعاشر زوجته أمام عينيه ويتلقى حبها ويهبها بكل وقاحة بذرة حياة جديدة. كل ذلك يحدث أمام عينيه وهو متوار صامت مستسلم.
11
لأول مرة من أكثر من عام تخلو الفيلا من فتحية. انتقلت إلى مستشفى الولادة قبل ميعاد الوضع بأسبوع - لتوعكها المفاجئ - لتكون تحت الملاحظة الدقيقة والرعاية المتاحة. وجد نفسه وحيدا. لم يعد كما كان، ففي الربيع والصيف تكاملت شخصية الممثل وترامت أبعادها. إنه يجيد الآن تمثيل دور المؤمن والمحامي، بل إنه يسعى إلى تولي القضايا حتى لا يرمى بالخيبة. وشغل التمثيل جل حياته فلم يترك للرجل الحقيقي إلا وقتا قصيرا يمضي عادة في السخرية والمرارة والغضب. على سبيل المزاح قال له عبد الباري خليل: وراء كل عظيم امرأة!
فأحنقه ذلك جدا. إنه يشير إلى تغير أسلوب حياته ولكنه يعلم في الوقت نفسه أنه تغير ألقي عليه من الخارج قهرا بلا اقتناع ولا إرادة ولكن تحاميا للعواصف وإيثارا للسلامة وإبقاء على راحته الشخصية. ولم يخف عواطفه فقال لأصحابه: إني غاضب.
فقال عبد الباري خليل: إن تكن صادقا في عبثك فلتعتبر الأمر كله فكاهة لا بأس بها.
فقال بإصرار: ولكنني صادق بلا ريب. - ماذا يغضبك إذن؟ الضمير لا يوجد إلا في رحاب إيمان ما ...
ناپیژندل شوی مخ