محاضرات عن الشیخ عبد القادر المغربي
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
ژانرونه
ذلك أنني بعد أن تلقيت من دراستي على والدي الاستسلام إلى كل ما جاء في الكتب الموروثة عن أسلافنا الماضين، والتصديق بنصوصها من دون تردد ولا ارتياب، عدت فاقتبست من شيخنا الجسر تعاليم فيها شيء من حرية النقد وانطلاق الفكر، وقد تعلمنا أن النصوص الدينية الموروثة فيها الغث وفيها السمين، وأن بينهما ما هو غير صحيح ولا معقول ولا منطبق على القرآن ولا السنة النبوية الصحيحة فيجب الانتباه إليه والتنبه عليه، والتحذير منه، وتمييز غثه من سمينه، وحقه من باطله، ولتمييز الحق من الباطل في نقل الأخبار طريقتان: (1)
التدقيق في سند الخبر وروايته. (2)
تدقيق النظر في إمكانية الخبر وعدم إمكانيته، وهذا ما قرره الفيلسوف العربي ابن خلدون في الكتاب الأول من مقدمته الذي بحث فيه عن طبيعة العمران ... فكان شيخنا الجسر رحمه الله في درسه إنما يشرح لنا ما قاله ابن خلدون في نظريته، وقد علمنا بأن ندقق الخبر ونعمق النظر، فليس كل نص يقبل، سواء أعقل أم لم يعقل، بل نزن كل ذلك بميزان القرآن والسنة وطبائع العمران
الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ، بينما كان والدي رحمه الله، بسبب تربيته الأزهرية، لا يسمح لي في أن أنحو هذا النحو في النظر والتدقيق وإعمال الفكر في التفريق بين النصوص الدينية.
غير أني لما اتصلت بالسيد الأفغاني، وأنعمت النظر في دراسة تعاليمه، انتقلت في حياتي الفكرية إلى الدور الثالث أو الطور الثالث، وهو أن نفهم النص الديني فهما صحيحا، مراعى فيه قوانين اللغة، وقواعد بلاغتهما، ونستوثق من مطابقة النص للكتاب والسنة، ثم نجرأ على التصريح بما فهمنا من النص سواء أوافق رأي غيرنا أم لا. وقد اقتبسنا هذه الطريقة في الفهم من أقوال السيد الأفغاني وتعاليمه المروية المبثوثة في العروة الوثقى أولا، ثم في سائر ما علق بكفنا من كتاباته وكتابات تلميذه الشيخ محمد عبده ثانيا، فالأساس الذي بقي عليه الإصلاح الديني إذن هو تمييز نصوص الدين والحرص على فهمها فهما حرا، مستندا إلى قواعد اللغة العربية وقوانين بلاغتهما، ثم الجرأة في الدعوة إلى الصحيح المعقول من تلك النصوص، واطراح الباطل الدخيل عليها، والجهر بذلك كله من دون جمجمة في قول أو تقية من ذي صول.»
3
والحق أن شيخنا قد مر في دراساته بأطوار أو أدوار ثلاثة:
أولها:
دور الدراسة المنزلية في طرابلس أو الدراسة في المدرسة السلطانية ببيروت سنة (1300ه/1882م)، وقد كان فيه محافظا أشد المحافظة، تلقى فيه علوم الدين الأولية، وحفظ ما حفظ من آي الذكر الحكيم والحديث النبوي الشريف، وبعض المتون الدينية واللغوية والكلامية، وكان في هذا الدور طالبا مستسلما إلى كل ما يسمع، حافظا لكل ما يقال له دون أن يناقش أو يتردد أو يرتاب.
وثانيها:
ناپیژندل شوی مخ