محاضرات عن الشیخ عبد القادر المغربي
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
ژانرونه
أول مقال كتبه الشيخ المغربي نقلا عن جريدة المقطم
في يوم الثلاثاء 27 ذي القعدة 1323ه الموافق 1905م وعنوانه: «التمثيل العربي»
إذا عدت الصحافة والخطابة من عوامل تربية الأمم ووسائل تهذيبها وإرشادها إلى طرق الآداب والفضائل كان التمثيل - ولا ريب - من أقوى تلك العوامل وأقربها تأثيرا وأنجعها علاجا.
يعمد التمثيل إلى حادثة مشهورة، أو رواية مأثورة فيعرضها على الأنظار، ويقلد رجالها وكل من له مشاركة في حوادثها متحريا محاكاتهم في أزيائهم وهيئاتهم وعاداتهم وسائر ملابساتهم. فما التمثيل إذن إلا تقليد ومحاكاة، والتقليد والمحاكاة غريزة من غرائز الإنسان نشأت معه مذ كان على بساط بساطته الأولى. انظر إلى الطفل فإنه لا تمسه نفحة من العقل حتى يأخذ في تقليد من حوله ومحاكاتهم في أقوالهم وأعمالهم، فلا غرو أن كانت النفوس بالتمثيل أعلق وإليه أحن وفيه أرغب.
غاية الحكماء ومربي الأمم والشعوب إصلاح النفوس، وتقويم أود الأخلاق، والاحتيال على سوق الناس إلى سعادتهم وإيصالهم إلى ما يريدونه فيهم من الحياة الاجتماعية بأية وسيلة كانت وعلى أية صورة تسنت. وما تحري البلاغة في الكلام، وتوخي الأساليب الشعرية فيه، وضرب الأمثال، وتدوين الوقائع التاريخية، وتوقيع الألحان، ونحت التماثيل، ونقش الصور، وكل ما يسمونه فنونا جميلة إلا طرائق سلكها الحكماء إلى تهذيب شعوبهم، وذرائع للتأثير عليهم والتلاعب بعواطفهم وأميالهم وتوجيهها إلى شطر الخير والفضيلة، وصرفها عن ناحية الشر والرذيلة.
هذه العناية بتربية الشعوب ظهرت على أشدها في أمم أوروبا؛ ولذلك نمت تلك الفنون في ربوعهم، واستوت على سوقها لهذا العهد فيما بينهم.
أما التمثيل فهو جماع تلك الفنون وعقد فرائدها وقيد أوابدها. يتناول الكاتب الحادثة التاريخية فيضربها مثلا يتجلى فيه جمال الفضيلة بأبهى مظاهرها وقبح الرذيلة بأبشع صورها، ثم يكسو ذلك من جلابيب البلاغة والشعر والتلحين ما شاء وشاء تمكنه من نواحي تلك الفنون ومهارته فيها.
فلا عجب إذا اهتم كبار كتبة الإفرنج بهذا الفن وألفوا فيه التآليف المتعددة في الأساليب المتنوعة، إذ وجدوا فيه ضالتهم المنشودة من قيادة الشعب وسوقه من حيث يشعر، أو لا يشعر إلى تربية ملكاته وتثقيف طباعه.
نشأة هذا الفن في بلادنا والأطوار التي مر عليها منذ أربعين سنة إلى الآن أصبحت معروفة مشهورة. وأشهر منها منزلة الممثل البارع الشيخ سلامة حجازي من ذلك الفن وعنايته به وإبداعه فيه. لا نقول: إن الفن قد بلغ أشده واستوى على عرش كماله، وإنما نقول: إنه بمهارة الموما إليه، واستعداده الطبيعي لهذا الفن وبذل وسعه في تحسينه، وإتقان أساليبه قد كاد يترعرع ويتجاوز طور الطفولية. ولا يخفى أن أركان هذا الفن التي ينهض بنيانه على ثلاثة: مؤلف الرواية أو مترجمها، ثم الممثل، ثم النظارة المتفرجون. ولا شبهة في أننا لم نزل بعد أطفالا في هذا الفن، والطفل إذا حاول المشي لأول مرة لا بد له من أن - يمسك بيدي أمه، أو يعتمد على نحو كرسي، وإن أبى إلا الاستقلال وترك الاستعانة خاب وفشل، بل أوشك أن يبقى مقعدا إلى ما شاء الله. وهكذا نحن بالنسبة إلى الفن المذكور، فإن من آنس من نفسه استعدادا وميلا فطريا إليه ينبغي له أولا أن يستكثر من قراءة الروايات الإفرنجية، ويستظهر شيئا من جيدها، ثم يأخذ في ترجمة الحسن المفيد منها، وإذا شعر بالقدرة على احتذاء القوم في وضع الروايات فعل مثلهم، وإلا فإني أنصح له أن يربأ بنفسه عن هذا الموقف ويدرع بالصبر الجميل ولا يستهدف.
ومن أوتي حظا من الفهم في هذا الفن أدرك لأول وهلة الفرق بين الروايات المترجمة والأخرى الموضوعة وضعا. فإن حوادث الأولى تسرد على نسق غريب في أسلوب عجيب، فهي كأنها متكافلة متضامنة، طورا يفسر السابق اللاحق وآونة يوضح المتأخر المتقدم، ولا يسمع السامع حادثة منها حتى تنشب أنفاسه في حلقة مبهوتة متشوقا إلى معرفة ما يليها، فإذا سمعه وقع من نفسه موقع الدهشة والاستغراب. وليس كذلك الروايات الأخرى حتى ما ينسب منها إلى أشهر المشتغلين في الفن، فإنه يضاهي في وضعه وتنسيق حوادثه قصص ألف ليلة وليلة وأشباهها، ولذلك ترى الممثل المتقن يضيف إلى هذا النوع من الروايات ألحانا لطيفة ومناظر غريبة ليستر عوارها ويكمل النقص الذي فيها.
ناپیژندل شوی مخ