محاضرات عن الشیخ عبد القادر المغربي
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
ژانرونه
ولكن رجال الدين يرتابون في أن الإسلام محتاج إلى إصلاح، وكثيرون منهم يرون أن الكلام في إصلاحه لغو باطل؛ إذ أن الدين الإسلامي لم يك بالفاسد في يوم من الأيام حتى نفكر في إصلاحه، أو نبحث عن طريقة لأجل إصلاحه ...
ثم نسلك في الكلام على وجوب الإصلاح من طريق آخر فنقول: إن المسلمين بتركهم العمل بدينهم والسعي في إصلاحه أصبحوا كأنهم غير مسلمين، وإذا سمع الشيوخ منا هذا القول استبشعوه وردوه علينا أقبح رد. ولم يطيقوا أن يسمعوا القول بأن المسلمين اليوم غير مسلمين.
حقا الأمر جلل، وإن التصريح به بشع تأبى النفس سماعه، دع عنك قبوله، ولكننا نرانا مضطرين إلى الجهر به، وإقناع معارضينا فيه، لنحملهم بذلك على النظر والتفكير، ونبعث في نفوسهم الشعور بالحاجة إلى الإصلاح ولزوم السعي فيه ...
ومحض القول إن أي نوع من الإصلاح لا يتم إلا بسعي الذين يعينهم أمره، وإصلاحنا الإسلامي إنما يعني علماء الدين فهم المكلفون به، المخاطبون شرعا بالعمل على تحصيله، وليس العمل منهم سوى الدعوة إليه بخطبهم وكتاباتهم وتأليفهم ، حتى إذا اقتنع بذلك جمهور الأمة ومعظم أفرادها هبوا هبة واحدة، فاكتتبوا لمدارس يشيدونها ونشرات يوزعونها ومؤتمرات يعقدونها عن كل ما فيه تحصيل أمر هذا الإصلاح وتحقيق أمره. وعماد الإصلاح بوجه عام، أو أصل الأصول في الإصلاح، إنما هو التربية والتعليم الإسلاميان، أو يقال هو «المدرسة الإسلامية» هذا هو أصل الأصول، أما بقية الأصول والأركان فتأتي على ذكرها هنا موجزة بصفة فهرست يجمعها.
3
هذه هي بإيجاز نظرة المغربي في الإصلاح الإسلامي، وتلك هي آراؤه في رجال الدين ومسلمي عصره، وأما ما يجب على الفقيه - في رأيه - أن يعمله، فنترك الحديث عنه منفصلا إلى محاضرتنا عن «المغربي المصلح». ولا ريب في أن هذه الآراء الجريئة التي اندفع المغربي الشاب إلى إعلانها، قد ألبت عليه جمهور العامة المتعصبين لرجال الدين، فاتهموه بالإلحاد والزندقة والمروق، كما اتهموا من قبل أشياخه جمالا ومحمدا، وقد استمرت هذه الحملة العنيفة على المغربي طوال حياته، وإن كانت في سنيه الأولى أعنف وأشد منها في سنواته الأخيرة، حينما انصرف إلى الدراسات اللغوية والمباحث الأدبية.
وقد كانت أعنف فترة في حياته خلال سنتي 1906-1911م، فقد قام فيما بين هذين العهدين بحملة على منكري تعليم المرأة، ودعا إلى سفورها الشرعي وتعليمها، وله في ذلك محاضرات ورسائل ومقالات - ولخصومه من رجال الدين نقود عنيفة وحملات قاسية عليه. فقد نشر أولى مقالاته في هذا الموضوع الخطير آنئذ في جريدة الظاهر المصرية - التي كان يصدرها المحامي الأستاذ محمد بك أبو شادي والد الدكتور زكي أبو شادي - بتاريخ 11 أكتوبر (تشرين الأول سنة 1906م) (1324ه) بتوقيع «م. ع.» قال فيها:
كنت بالأمس أتجول في شوارع القاهرة وأدخل حوانيتها ومخازنها وأنتاب منتزهاتها وحدائقها، فأجد من تبرج النساء وتبذلهن ومحادثتهن للرجال وعدم التزامهن حدود الشرع ما كان يذكرني بما كتبه العالم الفاضل قاسم بك أمين في كتابه «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة»، من أن هذا الحجاب الذي عليه عامة نساء المسلمين ليس بالحجاب الشرعي، فلا ينبغي الاحتفاظ به، وإنما علينا الرجوع إلى ما قرره الشرع في ذلك لكنه - حفظه الله
4 - كان يصور الحجاب الشرعي بما عليه الآن نساء أوروبا وأميركا، وقد وصف من أحوالهن ومخالطتهن للرجال ما يشعر باستحسانه له وتمنيه لنسائنا مثله حتى هاج عليه الشيوخ والمتعصبون، مع أن الحجاب الشرعي هو واسطة بين الحالتين، ليس فيه التبذل والتعرض لمثارات الفجور وما هي عليه الحالة في نساء الغرب، ولا يحول بين المرأة وبين رقيها وإعدادها لأن تكون زوجا وأما ومدبرة منزل، كما هي عليه حالة نسائنا لهذا العهد. ومهما يكن فإن المؤلف «الأمين» إنما يرمي إلى نشل المرأة المسلمة من هوة الجهل التي سقطت فيها منذ قرون ... كنت أفكر في هذا الموضوع. وأذكر في نفسي ما كان كتبه قاسم بك وفصله تفصيلا شافيا، وإذا بي اقرأ من جريدة الظاهر نقلا عن جريدة «الإسكندرية» مقالا طويلا للمومأ إليه (أي قاسم أمين) يقول فيه: إنه عدل عن رأيه في مسألة الحجاب وسحب كلامه في دعوة الأمة إلى تحرير المرأة، فرجعت وخفت أن يكون أدرك ذلك الفاضل شيء من الخور وضعف العزيمة.
فأخذ يعتذر للشيوخ والمتعصبين، ويتنصل مما كانوا اتهموه به من قبل، وقلت إن كان شأنه كذلك فيكون من جملة مصاب الأمة برجالها وقادتها الذين نرجو الخير من قبلهم ... لكن لم ألبث في ثاني يوم حتى قرأت ما كتبه حضرته في إنكار ذلك المقال والبراءة منه فسررت، ورأيت كل ذلك فرصة حسنة أغتنمها في رجاء الفاضل قاسم بك أن يتحفنا بكتاب في المرأة يكون ثالث القمرين وشاهدا لصاحبه بالحسنيين.
ناپیژندل شوی مخ