محاضرات عن الشیخ عبد القادر المغربي
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
ژانرونه
ويمكث شيخنا المغربي مسجونا في دائرة الشرطة ببيروت نحوا من سنة ثم حين يرى نفسه طليقا يعزم على الرحيل إلى مصر، ويصل إليها هاربا لاجئا، ثم ينضم إلى أسرة الجريدة الكبرى «المؤيد»، فيفرح بذلك فرحا عظيما يبينه لنا قوله: «ثم بعد حين من الزمان رأيتني في إدارة جريدة المؤيد وحولي طائفة من كبار الكتاب المبرزين في حلبة الإنشاء، والعاكفين على خدمة الصحافة، وقد قضيت ثمة سنتين ونيفا حتى تأذن الله بانتشال الوطن من مخالب المحن فأسرعت الكرة إليه ونزلت بآمالي عليه»، وما أن حل أرض الوطن حتى سكنت نفسه بعد اضطرابها وعزم على خوض معركة الإصلاح فأصدر جريدة «البرهان». ولقد ظلت البرهان منارا لأولي الفكر، ومألفا للكتاب من مستنيري الشيوخ والشباب، على نمط زميلتها «المقتبس» التي كان يصدرها المرحوم الأستاذ محمد كرد علي في دمشق إلى أن أعلنت الحرب العالمية الأولى، فاضطر إلى وقفها فتوقفت عن الصدور في 20 آب (أغسطس) سنة 1914.
وفي خزانة المغربي مجلد ضخم ضم أعداد «البرهان» منذ يوم صدورها إلى يوم توقفها، وقد كنت زرته مرات فحدثني عن هذه المجموعة وأراني إياها وأعلمني بشدة حرصه عليها، فتصفحتها وقرأت أكثر مقالاتها وبحوثها التي تدل على سعة أفقه وشدة حرصه على خدمة أمته، وبعده عن الإسفاف والقضايا الخاصة، أو المنافع الشخصية، أو المهاترات، وقد ذكر في العدد الأول منها أن «الصحافة ليست من صنف التجارة التي يتمتع صاحبها ببيع الحبر والورق أو ابتياعهما، بل هي فئة من أصحاب الأفكار المتنورة تجمع على الدوام بين مصالحها الذاتية والمصالح المشتركة مع الوطن وأبنائه، وتبذل جهدها بترويج الأمور التي تراها نافعة للمملكة وبيان الوسائل الفعالة لإزالة كل ما تراه مضرا حسب قناعتها الوجدانية، وإذا كانت نتائج الخدمات الحسنة التي تؤديها إلى الوطن الجريدة العارفة بوظيفتها حق المعرفة والقادرة على القيام بها أعظم ما يتصور، فكذلك النتائج المضرة التي تنشأ عنها. والمحافظة على شرف المطبوعات تكون بمقدار درجة ترفع أصحابها عن اتخاذها آلة للأغراض الشخصية، على أنه متى كانت الغاية المشتركة بيننا وبين المطبوعات سلامة الوطن وسعادته، فإن المساعي المختلفة تتحد حالا وانتقادات الجرائد وملاحظتها المنبعثة عن عواطف وطنية محضة وضمن دائرة الأخلاق والآداب هي تجاه الآراء العمومية، وبنوع خاص تجاهنا نحن معشر المأمورين من قبيل الاستشارة التي تنبه أفكارنا، وتسهل علينا التوفيق في وظائفنا.»
هذا ولا ينسى المغربي دوما نزعته الإسلامية العثمانية فقد كتب وأسهب في وجوب «تسكين المملكة وتوطيد دعائم الائتلاف والصفاء بين جميع العناصر العثمانية بلا استثناء، وبعبارة أخرى بين جميع أبناء هذا الوطن العزيز المنقسمين إلى جماعات تحت أسماء مختلفة، والعمل على تقوية الروابط الوطنية الجامعة بينهم»، هذه هي عقيدة المغربي الوطنية: إسلامية أولا، وعثمانية ثانيا، وقد ظل مؤمنا بهذه الفكرة حتى آخر عمره، أما القومية الضيقة فإنه لم يكن من أنصارها؛ بل كان ممن عملوا على محاربتها، وظل يسعى جاهدا لإصلاح حالة الإمبراطورية العثمانية ، وعلى هذا دأب طوال إقامته في مصر في العصر الحميدي، ثم بعد أن رجع إلى طرابلس الشام وأصدر البرهان سار على تلك الخطة، فحارب كل دعاة التفرقة الإسلامية - العثمانية، وقد رأى رجال الدولة العثمانية منه ذلك، فوثقوا بصدقه وإخلاصه في دعوته، فطلبوا إليه أن يشرف هو وجماعة من رجال الفكر العرب المؤمنين بهذه الفكرة على إنشاء معهدين في قلب العالم العربي لإحياء فكرة الإسلام ومحاربة الأقليميات وتأييد الفكرة الإسلامية - العثمانية، وكان أول هذين المعهدين في المدينة المنورة، وثانيهما في بيت المقدس باسم كلية صلاح الدين. فقام بعمله هذا بطلب من قائد الفيلق الرابع أحمد جمال باشا أحسن قيام هو وزملاؤه الثلاثة الشيخ عبد العزيز جاويش، والأمير شكيب أرسلان والشيخ بدر الدين النعساني.
2
ولما أمرت الدولة العثمانية أحمد جمال باشا ناظر البحرية العثمانية، وقائد الجيش الرابع العثماني، والقائد الأعلى لسورية، وبلاد العرب في سنة 1916م بإصدار جريدة «الشرق» للدعاية للدولة العثمانية في الأقطار الإسلامية، جمع في دمشق نفرا من حملة الأقلام العربية لإصدار تلك الجريدة، وفي طليعتهم السادة:
صاحب امتيازها:
خليل أفندي الأيوبي الأنصاري.
والمدير المسئول:
محمد تاج الدين أفندي الحسني.
ورئيس الهيئة التحريرية:
ناپیژندل شوی مخ