* نعم، قد اتضح عند أولي الألباب ضعف محصول من يدعي هذه الدعوى العريضة ولو كانت حقا، وهنا يحسن التمثيل بقول القائل:
وكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم ولابد من بيان جملة من الواضحات في هذا المقام على خلاف ما يدعيه لتنكشف حقيقة الحال.
أولها: إن كلامه على العلامة - قدس الله روحه - بما يقتضي تركه العمل بالحديث وأ نه اعتمد على الأمور الظنية بقول مطلق. وهذا ليس بصحيح، فإن العلامة اعتمد على العمل بالحديث في مسائله وفتواه وتساهل في العمل بالخبر بما لم يتساهل فيه غيره صونا لضياع الخبر، ولم يرجع إلى غيره إلا عند فقده، فيرجع إلى الاجتهاد الذي قد اتفق عليه المؤالف والمخالف حتى جوزه بعضهم للأنبياء ونقلوه عن الأمم السالفة، وهو راجع إلى قواعد أهل البيت (عليهم السلام) وأصولهم بالاستنباط المعتبر في الاجتهاد، وقد ثبت عنهم (عليهم السلام) تجويزهم لشيعتهم العمل بالظن إذا تعذر العلم في مسائل كثيرة، وقد صرح غالب الأصحاب المعتمدين في مسائل عديدة: أنهم لم يجدوا فيها نصا، والوجدان أيضا يحقق ذلك عند الاختبار. والمصنف يدعي أن كل حكم لابد أن يوجد عليه دلالة من الحديث، فظاهر ذلك أن يكون صريحا ولا يحتاج إلى الاستنباط. وكلام المصنف على العلامة فيما أشرنا إليه من تركه الحديث كان أحق به السيد المرتضى وابن إدريس وغيرهم ممن لا يعمل بخبر الواحد.
ودعواه أن جميع الأحاديث التي في الكتب الأربعة كلها مأخوذة من الأصول القديمة المشهورة الثابتة النقل عن الأئمة (عليهم السلام) كأنها كانت موجودة في زمن الشيخ وغيره من أصحاب تلك الكتب ولم تكن موجودة في زمن المرتضى وابن أبي عقيل وابن الجنيد وغيرهم من المتقدمين، أو كانت موجودة لكنهم لم يطلعوا عليها، وإلا كيف جاز للمرتضى وغيره في فتاويهم غالبا مخالفة
مخ ۳۳