وقد بين في أول كتابه «تاريخ النفس الطبيعي (1745)» أن لا أحد من الفلاسفة قدر أن يقول ما هو جوهر النفس، وسيبقى هذا الأمر مجهولا، وأن القول بنفس بدون جسد ضرب من الهذيان،
5
فالنفس والجسد متصلان غير منفصلين. وليس من مرشد إلى المعرفة أصح من الحواس، فهي فلاسفة الإنسان كما يقول هو. ولا يمكن تجريد المادة والقوة إلا بالعقل، وأما في الواقع فهما شيء واحد، وبناء عليه فالمادة قادرة أن تحس.
6
وقد فند فلسفة دكارتوس مشيرا إلى ما فيها من القضايا الضعيفة. ويعول في الحس على أمور تشريحية وفسيولوجية، ويعلل عن كيفية وقوع التأثير على الأعصاب والدماغ ببراهين قريبة للعقل، وإذا شط أحيانا فلفقدان الأدلة العلمية.
ويذكر في آخر فصل من كتابه أمثلة كثيرة من الصم البكم والعميان المولودين هكذا، ومن أناس لم يتعلموا ليبين بها أن «كل الأفكار صادرة عن الحواس»، فإن الإنسان الرابي في حجر الوحدة والهدو محجوبا عن سائر المؤثرات الخارجية لا ينمو عقله، ولو كان العقل جوهرا مستقلا ينمو بقوة فيه خاصة به لما كان كذلك. وكذلك يدحض القول بالأفكار الغريزية خلافا لدكارتوس، ومعارضة له قال العبارة الآتية: «لا حواس إذن لا أفكار.»
ويقول في كتابه «الإنسان الآلة» (1748) ما نصه:
لا ينبغي أن نعتمد إلا على المراقبة والاختبار، وهما خاصان بالأطباء الفلاسفة لا بالفلاسفة الذين ليسوا أطباء، ولا يحق لسوى الأطباء الذين يراقبون النفس في مجدها وفي تعاستها أن يتكلموا في هذا الموضوع.
فبم يستطيع أن ينبئنا سواهم، ولا سيما اللاهوتيون؟ أليس من المضحك المبكي أن نسمعهم يبتون - ولا يخجلون - في أمور يجهلونها، وانصرفوا عن البحث فيها؛ لتعلقهم على مباحث مبهمة أدت بهم إلى الاستمساك بالأديان، ودفعتهم إلى التعصب فوق ما بهم من جهلهم تركيب الجسد.
وهو يبين كذلك كيف يتعلق العقل بأحوال الجسد المختلفة تعلقا شديدا ، باعتبار المرضى والمجانين والمعاتيه، وأفعال الأفيون والخمر والقهوة ... إلخ، فإذا عل دماغ إنسان جن، وإذا كانت العلة المادية في الدماغ لا تظهر لنا في بعض أنواع الجنون، فلوقوعها في أعضاء دقيقة جدا لا نراها، قال: «إن أقل شيء كليفة صغيرة أو غيرها مما لا يستطيع التشريح الدقيق جدا أن يدركه كان في إمكانه أن يجعل أرازموس وفونتنال
ناپیژندل شوی مخ